لم اجد الكلمة المناسبة لاصف بها الفترة الممتدة بين هذه المقالة ونهاية هذا العام, هي ليست استراحة وليست اجازة فالتوقف عن الكتابة بأمر ذاتي أمر مستحيل, والتوقف عنها بأمر خارجي أمر مألوف في غالبية دول العالم الثالث ومجتمعاتها غير الديمقراطية, والذهاب في استراحة او إجازة, وانت في خندق الدفاع عن وطنك أرضا وأهلا خيانة حقيقية , اذ بمثل هذه الاجازة وتلك الاستراحة تمنح اعداء الوطن واعداء اهله فرحا ينتظرونه ولا يستحقونه , والاقدام على أي الامرين يعني ان تشيح بضميرك ووجهك واصابعك عمن وعما يتآمرون على الوطن ويمدون اصابعهم ومخالبهم الى جيوب الناس وطيبتهم وصدقهم ومعاناتهم المتوحشة.
هي اذن ليست اجازة وليست استراحة لكنها عملية احماء لانطلاقة جديدة ومختلفة وضرورية , اشعر ان هذا الوقت المناسب لها , وحتى اوضح اكثر, فقد انتقلت من فكرة اطلاق موقع الكتروني الى بدء العمل على اطلاقة وامتلاكه وادارته وتوجيهه بكل ما اعتقده في نفسي من التزام وولاء وصدق ومقدرة, فاضيف الى مسيرة المواقع الالكترونية الموجودة موقعا اخر , له ما لها من نجاحات, وله مالها من تأثير, وله مالها من قبول, وهذا قرار قراء الموقع وليس قراري منفرداً, معترفا بان مسيرة المواقع الالكترونية الاردنية انجزت الكثير وحققت الكثير وشكلت مساحة انطلاقة جديدة في التعبير عن الرأي وفي رفع سقف هذه الحرية حتى يكون السقف سقف الوطن, والحرية حرية الوطن والمرجعية كرامة هذا الوطن التي لا تتحقق الا بالكرامة المصونة لكل مواطن فيه .
ولابد ان أمر ولو باختصار على تجربتي الشخصية مع موقعين الكترونيين كان لي شرف الكتابة فيهما , دون ان اشعر ان ايا منهما وضع لي سقفا , او ان ايا منهما لم يحترم مقالاتي كل الاحترام .
فقد انطلق موقع عمون في الثالث والعشرين من تموز عام 2006 وبدأت الكتابة فيه بعد شهرين من انطلاقته , وواصلت كتابة مقالاتي له حتى اخر مقالة نشرها لي في الرابع من شهر كانون الثاني عام 2009 واعترف هنا بالفضل لهذا الموقع في كل ما كتبت فيه , ومما بدا للبعض تجاوزاً للخطوط الحمر, وهي الخطوط غير الموجودة في دستورنا وفي قوانينا والتي استسلم لها البعض فظلت كتاباته بلا صدى وبلا لون ومجرد عمل يقوم به مقابل مرتب او مكافأة , وفي موقع عمون نشرت اكثر من ستين مقالة خلال سبعة وعشرين شهرا, وأدين لهذا الموقع العزيز ببعض اسباب نجاتي من مرض الكبد الذي كان يهدد حياتي, اذ حمل الموقع مرضي كقضية له فنشر عنها, ووصل الخبر الى جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله, فأوفد الى بيتي معالي رئيس الديوان الملكي السيد سالم الترك ومعه معالي الاخ امجد العضايلة مدير اعلام الديوان , يحملان لي تحياته ودعواته وقراره النبيل في ارسالي الى بريطانيا لزراعة كبد جديد لي, وهذه المكرمة الملكية السامية وقبلها رعاية الله حققا لي الشفاء والصحة التي اتمتع بها الان , وقد اشعرتني كل هذه الامور اكثر بمسؤولياتي كحامل قلم في ان اقف مع الوطن ومع القيادة ومع هذا الشعب الاردني الطيب حماه الله.
بعد هذه التجربة الغنية مع موقع عمون, وبقرار شخصي انتقلت للكتابة في موقع خبرني, اذ رأيت في شبابه الذين احبهم شبابي الذي مضى, وتيقنت انهم الاعلاميون الذين يحتاج اليهم الوطن اليوم وغداً، وكان هذا الموقع قد انطلق في السابع عشر من شهر شباط عام 2008، هو الآن في الشهر الخامس عشر من عمره، واعترف انني اجبرت من خلال مقالاتي فيه على خوض معارك لم اتصور يوماً انني سأخوضها بسبب دفاعي عن وطني واهلي وحقوقهم المصونة بموجب الدستور، واذا كان هناك قوانين غير دستورية اصدرتها حكومات ومجالس نيابية اردنية، فلست معنياً بها من قريب او بعيد، واشهد هنا انني تناولت قضايا لم يتناولها احد قبلي، بل وان الكثيرين ترددوا عن تناولها بعدي لاسباب اعرفها واخرى اعرفها ايضاً، فمقالاتي عن اداء النواب وامتيازاتهم جاءت بعد احكام قاسية وصحيحة من المواطنين ضد هذا الاداء والامتيازات، وعندما قرر المجلس – الذي يفترض انه افراز للديمقراطية – ارسالي للقضاء وعلى امل سجني واخراسي وتخويف الكتاب، انتصر القضاء لي، ومقالاتي عن سحب الجنسية من مواطنين اردنيين بموجب تعليمات لا تستند الى قانون وتشكل مخالفة خطيرة للدستور اثارت هي الاخرى ردود فعل مختلفة، ولا يهمني الى اين انتهت هذه المسألة فقد قلت كلمتي والساكت عن الحق والحقيقة شيطان اخرس. ومقالاتي عن ممارسات الدرك ومخالفات المحافظين لاحكام الدستور حركت ماءاً ساكناً في البحيرة الاردنية، وهناك قضايا وموضوعات اخرى كتبت عنها وفيها، بيقين انني اتحدث باسم الناس، ولا اقول كلهم، وكانت تعليقات القراء على هذه المقالات تتوزع بين التأييد والمعارضة، وكنت حريصاً على مناشدة الزملاء في الموقع على احترام هذه التعليقات ونشرها وفي المقدمة منها هذه التي تعارض ما اكتب، دون ان يكون فيها ما يسيء الى شخصي بصورة تفتقد التهذيب، وكان الحوار بين القراء انفسهم هو الاكثر اهمية خاصة وان الصحافة الورقية لا توفر مثل هذه الفرصة للقراء.
قبل نهاية هذا العام او مطلع العام القادم اسأل الله ان يوفقني في اطلاق موقعي الالكتروني والذي سيكون مزيجاً من خصائص الموقع والمدونة، وسيكون التركيز فيما سينشر فيه على الرأي والحوار، وسأجعله منبراً لكل حامل قلم لا يجد منبراً ليقول من فوقه كلمته، وسيكون موقعي تعبيراً شجاعاً عن التزامي بالدفاع عن الحق والحقيقة والامل والوجع وضد الفساد الذي يركض بيننا وخاصة في القطاع العام، وسيظل ولائي لهذا الوطن ولقيادته ولمواطنيه قبل وفوق وبعد كل ولاء آخر، ولن اجعل من هذا الموقع ساحة لاخبار مسيئة او مشككة معتمداً في حزمة الاخبار على مصادرها الرسمية كوكالة الابناء الاردنية والناطقين الرسميين الموثوق بهم، واؤكد ان الموقع العتيد سيكون حاضنة لجيل جديد من ابنائنا وصبايانا الذين يضعون اقدامهم على اطراف خندق القتال بالكلمة. ويبدون مستعدين للكلام الشجاع الذي سقفه الوطن وليس أي مسؤول تنفيذي فيه.
لكل ما سبق اخترت لهذه المقالة عنوان (ارفع يدي مواعداً ولا ارفع يدي مودعاً) واشعر بحزن مؤقت وموقع "خبرني" يستضيف مقالتي الاخيرة هذه ، وسأظل اقاتل معهم ولكن من خندق آخر واشعر بسعادة حقيقية اذا ما تلقيت من القراء نصيحة او فكرة او تأييداً لاطلاق موقعي الالكتروني الخاص، متمنياً للجميع الفرح والطمأنينة وقبلهم للوطن التميز الحقيقي في ان يكون العمل للجميع والعدالة للجميع والخبز للجميع والدواء للجميع والمقعد المدرسي والجامعي للجميع. وللجميع محبتي.
kmahadin@hotmail.com
عن الزميلة خبرني.