لا أعرف بالضبط من جاء بفكرة برنامج المسابقات البسيط والنوعي الذي يسلط الاضواء على المكان والزمان والانسان وعلى التاريخ والجغرافيا والتراث الاردني من خلال الاتصال في كل حلقة مع عدد من المتسابقين، وتعريضهم لتحدي الاجابة على سيل من الاسئلة حول واحدة او اكثر من المحافظات والمدن الاردنية.
البرنامج الذي يقدمه نجم الدراما التاريخية والاجتماعية رشيد ملحس فريد في موضوعه وأهميته وإيقاعه، فهو أحد أول البرامج التي تجمع بين التسلية والفائدة ويقدم الهدف الجاد على جذب وارضاء المشاهد. يختلف البرنامج كثيرا عن برامج المسابقات الرمضانية التي تغدق على المتسابق ايا كانت الاجابات التي يقدمها فالبرنامج لا يولي اهمية كبيرة للاعلان واسماء الرعاة على حساب المحتوى.
على خريطة البرامج الترفيهية والفنية والدرامية التي تقدمها القنوات الاردنية والعربية ينفرد برنامج عيش الاردن بكونه الوحيد الذي يوظف التسلية في خدمة المعرفة والتوعية وبناء الهوية، ففي البرنامج الكثير من المعلومات التفصيلية عن الاردن وبلداته وتاريخه ومؤسساته ورجالاته والاحداث التي مر بها. الكثير من البيانات والمعلومات التي يقدمها البرنامج جديدة وتفصيلية ويصعب الحصول عليها من اية وسائل ومصادر اخرى.
المواطنون والمقيمون في الارياف والمدن والمخيمات يشاركون في فقرات البرنامج، ويتابع الآباء والأمهات البرنامج مع الأبناء وأفراد الأسرة فيما يشبه المسابقات التي يعقدها الطلبة في الرحلات وأوقات النشاط المدرسي. انها المرة الاولى التي اسمع فيها سؤالا عن اسم رئيس بلدية الطفيلة العام 1914 وعن اسم المنطقة التي اقيمت عليها بلدة الحسينية في معان والرئيس الاول للجامعة الاردنية.
في محتوى البرنامج الذي بني على دراسات معمقة لتاريخ المكان وجبات فكرية معرفية ومعنوية دسمة لكل الاسر الاردنية التي تتابع البرنامج وتحاول التنقل مع ايقاعه وهو يجول في المشاهد عبر الاراضي والتاريخ والثقافة الاردنية التي قلما تسعفنا البرامج الاخرى في التوقف عندها.
حسنا عمل التلفزيون الاردني في خلخلة الصورة التقليدية لبرامج المسابقات واثبات امكانية تقديم برامج مسابقات غنية بالمحتوى تحترم عقل المشاهد وتقدم له مواد جديدة ومفيدة تختلف عن ما اعتاد عليها في البرامج والمواسم السابقة. الاصرار على تقديم الاجابات الصحيحة عن كل الاسئلة خطوة مهمة تعيد للاذهان الصورة الذهنية للاعلام الجاد بعدما تهاوت البرامج تحت وقع مطالبات الترفيه تحت مبررات الجمهور عايز كده .
بلا ضجة او ارباك وبإمكانات بسيطة يقدم عيش الاردن للمشاهد الاردني ما يعوضه عن غياب الدراما التاريخية التي اعتاد على وجودها في رمضان ويشعر الجميع أن بالإمكان تقديم عمل تلفزيوني جاد وممتع يستمد قوته وجاذبيته من المحتوى والبساطة وعفوية المقدم الذي يحرص على القرب من المشاهد من خلال تجنب المبالغة التي قد لا تتناسب مع المزاج العام في هذا المفصل التاريخي.
أتمنى أن لا يتوقف هذا البرنامج مع نهاية رمضان وأن تسعى القنوات الاردنية الى تقديم فكرة عيش الاردن بقوالب اخرى تسهم في تعميق المعرفة بالمكان واهله وخصائصهم في فضاءات تتجاوز ما تقوله النخب ممن أضحوا المادة الاساسية للكثير من البرامج الحوارية وغير الحوارية على الكثير من وسائل الاعلام العامة والخاصة.
الغد