الذين يطالبون المؤسسة الرسمية بكل طبقاتها وتفرعاتها بأن تصلح الوضع الاقتصادي في الاردن ليس لديهم تصور متكامل لذلك، بل تجد هنا فكرة، وأخرى هناك، ولكنها في مجموعها لا تشكل حصيلة متكاملة. وحتى لو وضعت مثل هذه الحصيلة من المقترحات والمشروعات والسياسات، فلن تجد إجماعاَ ولا حتى توافقاً كافياً عليها. والسبب هو عدم اتفاقنا على أسس وثوابت واضحة في الاردن. بل إن بعض ما كان يعتبر باللغة الإيجابية ثوابت وباللغة التحذيرية خطوطاً حمراء، قد بدأت بالتقلب والانفتاح على اجتهادات مختلفة.
ونقرأ مقالات في الصحف الإسرائيلية- بالعبرية والإنجليزية، أن بعض الإسرائيليين الذين يرون في الأردن أهمية استراتيجية كبرى صاروا يكتبون محذرين من أن الأردن يواجه تحديات خطيرة ومقلقة. وتظهر اجتهادات في الصحف العربية الصادرة من لندن وغيرها تبين أن الأردن مهدد بفعل الظروف الخارجية من ناحية، وتأثيرها العميق على مستوى الحياة والمعيشة في الاردن من ناحية اخرى.
ونقرأ من بعض الأشخاص الذين خدموا في القطاع العام بشقيه المدني والعسكري آراء وافكاراً تعبر عن سخطهم اكثر من فكرهم في توصيف الحالة الاردنية والتحذير من اوضاعها. ويلاحظ كذلك أن العاطفة وأحياناً الرغبة في الشعبية تقود المعبرين عن آرائهم إلى مواقف وأماكن هم أنفسهم لم يخططوا لها، بل ساقتهم دينامية العواطف الى هناك.
ولنسأل سؤالاً عن مؤتمر البحرين الذي سيعقد يومي 25 و 26 من شهر حزيران (يونيو) القادم من أجل الاتفاق على قائمة مشاريع تقام في فلسطين والدول العربية المجاورة كعربون لحسن نوايا أصحاب المشروع المسمى بصفقة القرن على أساس ان البعد السياسي سيأتي لاحقا. وقد صرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه لن يحضر، ولكن البعض يطالبه بأن يعبر عن إدانته الكاملة لهذا المؤتمر.
ونرى أصداء لنفس الفكرة في الأردن حيث يطالب الكثيرون الحكومة بأن تعلن عن رفضها للمؤتمر. والتعهد بعدم المشاركة فيه، أو السماح لأي احد من الأردن بذلك. ويعتب هؤلاء على الدولة أنها لم ترفض بالنص الصريح المؤتمر أو المشاركة فيه.
وبالطبع هنالك استحقاقان آخران قريبان. وهما مؤتمرا القمة العربية والإسلامية من أجل الوصول إلى توافق ضد إيران على الأقل، لكي تعدل إيران من سياساتها في المنطقة. والواقع أن كلفة الحرب ضد إيران، والتي من المتوقع أن تتحملها الدول العربية الغنية، ستتجاوز مئات المليارات. ولكن صوت العقل يقول أن إيران لا تقبل بالتفاوض تحت الضغط بحكم الافتراض المدروس أن أحداً لا يريد الحرب ضدها. إذن فالتفاوض مع إيران هو البديل الافضل في رأيي، إن لم يكن الوحيد الذي سيمنع حصول كارثة في الوطن العربي.
أمام هذه الاحتمالات، هل يحضر الأردن أم لا يحضر مؤتمري القمة. ولو كانت الإجابة في تقديري سهلة لما شهدنا تحركا لجلالة الملك وسفره إلى الكويت ودولة الإمارات. ولو كانت الإجابة متاحة بوضوح لما سافر وزير الخارجية للقاء ببعض نظرائه في مصر وغيرها. وجرى لقاء في عمان مع الرئيس العراقي والرئيس الفلسطيني، الكل حائر ماذا يفعل بالدعوات الموجهة ولا يجد جواباً سهلاً عليها.
قد تقول لا نذهب، ونحن سنتحمل كل التبعات من احتمالات الضغوط علينا والتآمر ضدنا. وهذا خيار يقبل به غالبية الأردنيين ولكنه يأتي بكلفة عالية وباهظة. وبالمقابل، فإن الأردن إن شارك سيضع نفسه في أزمة أمام الرافضين وأمام الشعب.
المطلوب موقف داعم لجلالة الملك حتى لا يبقى عبء القرار عليه وحده، فيقع تحت ضغط دولي وإقليمي رهيب. والمطلوب أن يكون لدينا خطط واضحة وسيناريوهات لكل احتمال. وإذا سكت الملك عن التعبير عن قرار في قضية ما، فلا نعتبر ذلك الصمت اخفاء لقرار لا يقبله. كلنا بحاجة إلى أن نترك للسياسيين فرصة للتفكير السليم والعمل السياسي الصائب. وأي منا في الاردن لا يريد، لا سمح الله، أن يرى اردننا خاضعاً لفوضى وفتن لا يعلم نهايتها إلا هو.
في هذا الأوان، مطلوب منا أن نترابط ونتحاور ونتحمل، ولكن كلنا يقوده هاجس وهدف واحد: أن يحفظ الله الوطن والشعب والقيادة، وأعاد الله علينا عيد الاستقلال ونحن في حال افضل ووضع أقل تعقيدا.
الغد