هكذا انكشفت «النخب» في رمضان
حسين الرواشدة
28-05-2019 02:10 AM
إذا سألتني عن اسم «لرمضان» هذا العام في بلادنا، سأجيبك على الفور: إنه شهر « الانكشاف»، اعتذر سلفا عن عدم سرد كل ما انكشف، سأشير الى صورتين فقط، الاولى صور «الدوار الرابع» الذي انكشفت الاحتجاجات فيه عن اعداد مشاركين لم يتجاوزوا العشرات، اما الثانية فهي صورة «النخب»، بعضها التي اتعبها صراخها وهي تطالب بالاصلاح حتى انكشفت فرأيناها «بأوزانها» الحقيقية، والاخرى التي استغرقت في «موالد» السهرات الرمضانية حتى غطّى دخان «الارجيلية» فيها على كل نقاشاتنا، وما لدينا من ازمات وأولويات.
سأتجاوز هنا الدوار الرابع الذي كشفه لنا رمضان، ليس لان ما حصل لا يستأهل النظر والتعليق، وانما لسبب آخر مختلف وهو تعلق البعض بـ»وهم» حسابات الزمن، على اعتبار ان ما جرى في رمضان الفائت سيتكرر بالضرورة في رمضان الحالي، لهذا اجدني زاهدا في التعليق على نمطية تفكير بعضنا في الاحداث او تعاملنا معها، وهي نمطية تعكس سمات شخصيتنا في هذا المرحلة بما لحق به من اصابات عميقة افقدتها القدرة على الفهم والتبصر، والاستشراف ايضا.
يبقى انكشاف صورة النخب في مرآة رمضان لهذا العام مهما لاعتبارين اثنين، الاول ان هذه النخب تمثل الرصيد الذهبي بالنسبة للدولة، كما انها تعكس هيبتها ايضا، وبالتالي فان حضورها في الفضاء العام يفترض ان ينسجم مع هذه الوظيفة التمثيلية، اما الاعتبار الثاني فهو ان هذه النخب يفترض ايضا ان تمثل الضمير العام للمجتمع، وان تبرز الوجه المشرق فيه، وبالتالي فان «سلوكها» يجب ان يكون محسوبا بدقة لانه يبعث برسائل مهمة الى الناس، فاذا كانت هذه الرسائل مفخخة بـ»الرداءة» فان صداها سيكون مزيدا من الخيبات لدى الجمهور الذي يعاني اصلا من الاحباط.
لكي نفهم الصورة بشكل اوضح، يمكن التدقيق في الاماكن والمناسبات التي شهدت حضور النخب، لم تكن بالطبع موائد رمضانية لافطار الفقراء والايتام، لم تكن ايضا خارج العاصمة حيث الاطراف المهمشة والشباب العاطلين عن العمل والامل معا، ولا في مناسبات لاشهار التكافل وتحقيق «التقوى» المرجوة من الصائمين، والاهم من ذلك ان الشاهد الحاضر فيها على الدوام هو «الاعلام» المنزوع من ارتباطاته المهنية.
حركة النخب في رمضان، سواء في السهرات او في الاعلام او على مدرجات السياسة، تعكس بوضوح حالة مجتمعنا الصعبة، ليس فقط على صعيد ما فعله الناس بـ»نخبهم» ورموزهم «الافتراضية»، حين افرزوا منهم اسوأ ما فيهم، وانما على صعيد ما فعله هؤلاء النخب ايضا بانفسهم وبنا، حين تنازلوا عن المنصة التي كان يفترض ان يجلسوا عليها، وهي منصة الضمير العام، ليجلسوا في اماكن اخرى لا تليق بهم.
يبقى سؤال : من يعتذر لمن ..؟ المجتمع للنخب حين دفعها الى الجدار، فالتجأت الى حضن من يدافع عنها ويحميها من الاشاعات والنفاق الاجتماعي والاحكام المسبقة، حتى لو جاءت هذه الحماية على مراكب مقايضة اعلامية وابتزاز سياسي، ام تعتذر النخب للناس الذين راهنوا على صمودها في مواجهة «الاسفاف»، و قدرتها على تغيير الصورة، وعزيمتها على مقاومة الفجور بالخصومة، ففشلت في ذلك؟
اعتقد ان واجب الاعتذار مطلوب من الطرفين معا..
الدستور