لم انطلق أبداً من فكرة "نظرية المؤامرة" وأنا أشرع في الكتابة لسبب بسيط أن المعطيات الوطنية، والإقليمية، والدولية تنذر بخطر كبير يتجاوز في مداه الخلاف، أو الاختلاف في توصيف الشأن الداخلي، والمراقب البسيط لحالة الانفلات النخبوي المشين تجاه السفارات يضع "العقل في الكف" ويرمي به بعيداً لمتاهات القلق الوطني الكبير الذي لم يعد خافياً على أحد، ولا أدري هنا لماذا كل هذا الانزلاق نحو أتون التبضع السياسي الذي يؤشر لحالة خطيرة يتوجب معالجتها بسرعة
حالة الانتقاء النخبوي للسفارات في طبيعة الدعوات، والتواصل، أو تقديم الخدمات القنصلية، أو الشخصية يوجب على الحكومة أن تنهض فوراً ودون إبطاء؛ لمعرفة طبيعة هذا الأمر ومراميه السياسية في ظل ظرف دقيق يستوجب أقصى درجات الحذر، والتيقظ في معالجة مخاطر الاختراق للشأن العام، أو خلق حالة من القلق، وتزوير الوعي العام، أو ربما صناعة ولاءات خارجية جديدة إقليمية، أو دولية قد تصل إلى درجة الخيانة العظمى للوطن فيما إذا وصلت لدرجة خدمة الأجنبي في قادم الأيام المتخمة بمخاطر "صفقة القرن" سيئة الذكر.
رواد السفارات حالة نفعية ميكافيلية لا ترتقي لمستوى النخب الوطنية، وهي ظاهرة عفن اجتماعي اذا تمادت الى حد التنسيق السياسي، واقتران هذا التواصل بمبررات، وحجج واهية في الديمقراطية، وحقوق الإنسان والمرأة، وحقوق الطفل، والعنف ضد النساء. تلك المبادئ التي تمثل في شكلها قيماً جميلة وفي مضمونها توظيفاً للتمويل الأجنبي في معطيات سياسية؛ بل قد يصل الأمر الى رصد معطيات وطنية ذات مخاطر أمنية على المجتمع والوطن.
هذا الأمر يستدعي تذكير تلك السفارات بضرورة الالتزام بقواعد التمثيل الدبلوماسي وفقاً للقانون الدولي والمتمثلة في المادة (41) من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام (1961) والتي جاء فيها:
أ. مع عدم المساس بالمزايا والحصانات على الأشخاص الذين يتمتعون بها احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها، وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة"
ب. كل المسائل الرسمية المعهود بحثها لبعثة الدولة المعتمدة مع الدولة المعتمد لديها يجب أن تبحث مع وزارة خارجية الدولة المعتمد لديها عن طريقها أو مع أي وزارة متفق عليها.
ج. لا تستعمل مباني البعثة في أغراض تتنافى مع أعمال تلك البعثة التي ذكرت في هذه الاتفاقية أو مع قواعد القانون الدولي العام أو مع الاتفاقيات الخاصة القائمة بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها.
مخاطر التواصل مع السفارات لا يقتصر على مضامين القلق من مضار التمويل الأجنبي وانما من محاولات استقطاب بعض القيادات الاجتماعية، والسياسية، والتركيز المناطقي والعرقي لبعض الفئات وتوسيع مظلة التواصل مع الأردنيين بشكل لا يمكن القبول به؛ لأنه يضع أكثر من علامة سؤال على سلوك بعض السفارات في رصد الشأن العام الداخلي وبصورة تثير القلق، والأستياء معاً، ويعيد إلى الأذهان ذاكرة مليئة بالقلق من تجارب سابقة ليس بالضرورة أنها قد حدثت في الأردن المستهدف هذه الأيام من كل حدب وصوب وبكافة الوسائل والأساليب.
أثق أن الرصد الرسمي لمخاطر الاختراق في أعلى مستوياته وبحرفية وطنية قل نظيرها، لكن الصحوة الوطنية، واليقظة الأخلاقية لكل الأردنيين تقتضي أن نتنبه لمخاطر اختراق المصالح الوطنية العليا والأمن الوطني من جهة وأن نكون عوناً للدولة، ومؤسساتها لا عبئاً عليها في هذا الظرف الوطني الدقيق من جهة أخرى، وأن ندرك ان للوطن كبرياء، وكرامة وطنية هما عنوان الهوية، ومنطلقات تفويت الفرصة على الأجنبي للنيل من صمود الوطن واستقراره. وحمى الله وطننا الحبيب الصابر المرابط من كيد الأعداء وعقوق الأبناء ....!!!