المفاوضات المقبلة مع صندوق النقد الدولي لاعتماد برنامج جديد للاصلاح بعد انتهاء العمل بالبرنامج الحالي الذي تم تمديده لاذار المقبل ستنطوي كما هي العادة على شروط جديدة للصندوق وبخاصة رفع أسعار الكهرباء والمياه واعادة النظر بالتقاعد المبكر في الضمان الاجتماعي وغيرها .
الصندوق أحيانا لا يحدد الاجراءات التي على الحكومة القيام بها لزيادة الايرادات بهدف تخفيض العجز وانما حكومات سابق كانت تطلب منه ومن البنك الدولي ممارسة الضغط عليها حتى تتخذ قرارات بزيادة الضرائب والأسعار .
وعلى هذه الشاكلة لا أعتقد اننا سنتخرج فعليا في المدى القريب من برامج الصندوق الذي يهيء للأردن مزيدا من الاقتراض حتى وان كان بأسعار مخفضة لكنها في النهاية أعباء على الاقتصاد وقد أوشكت المديونية تجاوز الناتج المحلي الاجمالي .
كان يفترض انتهاء العمل ببرامج الاصلاح الاقتصادي ما بين الأردن و صندوق النقد الدولي في العام 2002 وعلى أبعد تقدير في 2004 بعد تطبيق عدة برامج منذ نهاية الثمانينيات وأخذت مسميات وأشكالا مختلفة مثل الاستعداد الائتماني والبرامج الممتدة رغم أنها جميعا قامت على ذات المباديء وهي التركيز على التحول الى الاقتصاد الرأسمالي وتخفيض الانفاق العام والخصخصة والغاء الدعم عن السلع والخدمات وفرض الضرائب وزيادتها على على فترات .
ولم تكن رحلة الأردن مع الصندوق سهلة فقد شهد في ظلها العديد من الأزمات الداخلية من احتجاجات ورفض شعبي واسع لقرارات رفع الأسعار وزيادة الضرائب وآخرها ما حدث في أيار من العام الماضي في مثل هذا الوقت تحديدا وكل ذلك بسبب وصفات الصندوق التي أضطرت الحكومات المتعاقبة لتنفيذها رغم الكلف الباهضة لها على مستوى حياة المواطنين والأوضاع العامة في البلاد .
وبحسب ما أعلن منذ الدخول في بوتقة الصندوق عام 1989 الأصل ان يكون الأردن اليوم بوضع اقتصادي أفضل بكثير مما هو عليه الان سيما وأن معدل النمو المتحقق في السنوات الخميس الماضية متواضع جداد وبقي أقل من 2% وهو غير كاف لتلبية الاحتياجات التنموية للمملكة في مختلف المجالات.
اليوم ونتاجا لبرامج الاصلاح الاقتصادي فقد خسرت الدولة الروافع الحقيقة للاقتصاد الوطني على مدى عقود حيث بيعت الشركات الحيوية مثل شركات التعدين " الاسمنت والفوسفات والبوتاس " وشركة الاتصالات وخصخصة العديد من القطاعات الأخرى بحجة تحسين الأداء الاقتصادي في الوقت الذي ما زال السؤال مطروح وبرسم الاجابة حول أسباب بيع أصول مهمة للغاية للمملكة وتبين فيما بعد أن بعض الصفقات تحوم حولها الشبهات وقد ثبتت صحة بعضها .
وفي جانب آخر زادات الأعباء المعيشية على كاهل المواطنين من حيث الغاء الدعم عن المواد الأساسية وآخرها الخبز وقبلها المحروقات وحجم الوعاء الضريبي من أعلى النسب المعمول بها في العالم ما سأهم ايضا في تعميق الركود الاقتصادي وضعف النمو .
أكثر من 30 سنة مرت على العلاقة مع الصندوق لكن الأردن لم يستطع حتى الآن الخروج من عباءته وبرامج الاصلاح الذاتية التي تحدثت عنها عدة حكومات كبديل عن برامج الصندوق لم تر النور بعد ما يؤشر الى خلل كبير وواضح في العملية الاقتصادية وأننا مازلنا بعيدين عن التعاطي مع مشكلاتنا الاقتصادي الأساسية التي تتفاهم بشكل متسارع كالمديونية التي قاربت 30 مليار دينار والبطالة ببلوغها 18.6% والفقر الذي ما زالت الحكومة تخفي نسبه وأرقامه الحقيقية وفقا لاخر دراسات أجريت.