الطريقُ الصحراويُّ مِقْصَلَةٌ لسالكِهِ ومأساةُ وطنأ.د. خليل الرفوع
26-05-2019 01:49 PM
أوجاعٌ على جداريةِ الروح خطَّها الطريقُ الصحراوي بلا مفتتحٍ أو ترويدة أو تلاوةِ آية أو توديعِ محبٍ أو إشارةِ مفارقٍ ، رحيلٌ صامتٌ ، هزيعٌ أخير ، وخيطُ عتْمٍ ينوخُ بكلكلِ الموتِ على طريق المنايا ، بكاءٌ فجائعيٌ يرثي من ماتوا ولم يودعوا فرحَهم أو أطفالهم أو أمنياتهم ، وزادتهم الحياةُ نزفَ دماءٍ على قارعة الطريق الممتد من العقبة حتى عمان ، وحسبُ المنايا أن يَكُنَّ أمانيَا وحسب الأماني أن يكنَّ مراثيَا ، هو الطريقُ ذاته من بدءِ التكوين إلى منتهاه يترصدُ سالكيه ، وما في الموت شكٌ لواقفٍ هناك ، كأفعى سوداءَ تتلوى بِسُمِّها لتنفثَه في أجساد العابرين أو كوحش ينتظر طرائدَه بِنَهَمٍ ، فمتى ترحلُ عنه الصحراءُ إلى صحرائها ؛ ضحايا يسرقهم جوفُها اللانهائي لكنَّ رحمة ربهم تعيدُهم إلى مستقرها في عِليين، يا حزنَنا وكربلاءَنَا، الدماءُ حِنَّاء الطريق يلوحُ وشْمًا على كرْبِ الكروب ومأساة الوطن ، فثمةَ أفئدةٌ فارغةٌ ومآقٍ تغفو على غيابهم ، كمْ من الدماءِ يريدُ ذلك الطريق كي يرتوي وقد أُتْخِمَ، وكم من الأشلاءِ يشتهي كي يلفَّ عباءتة السوداءَ ويمضي بعيدا في الغياب عن حسابات الفاسدين ، ضحاياه من الحزنِ إلى منتهاه ومن الحضور إلى الغياب الأخير ، ومن الرحيل إلى الرحيل ، كم أوجعتْنا سهامُ المنون حتى تكسرتِ النصالُ على النصال، فلم يعدْ للوجوهِ بهاؤها ، من الترابِ إلى السماءِ ومن السماء إلى ظلِّ عرش ربهم ، طبتمْ أيها الراحلون وطابت أجسادُكم وأرواحُكم ، كلماتنا دموعٌ ننثرُها على ندى وجوهِكم ، وحروفنا ابتهالاتٌ مرتلةٌ على حضوركم المسجَّى بين جفوننا، كم ابتلعت ليالي الصحراوي ونهاراتُه من الشهداءِ ، شبابًا وأطفالا وشيوخا ونساء ، إخوةً وأصدقاء جمعهم السفرعلى كفِّهِ ثم غابوا في أفئدِةِ أهليهم رياحينَ ذكرى وزنابقَ طهارةٍ وشقائقَ محبةٍ ، منذ صغرنا بل قبلَ ولادتنا والفجائع تتوالى على الخط الصحراوي الدولي ، ولم تخلُ قريةٌ في الأردن من موت ابن أو قريب أو صديق أو أُسَرٍ كاملة قد مزق أجسادَهم الحديدُ وجعلها أشلاء يتحمل وزرَها كلُّ مسؤول في وزارة الأشغال منذ تأسيسها حتى آخر أردني توزعَ دمُه بين الحديد والتراب والإسفلت الذي تشبع بالفساد وغياب التخطيط على غير هدى وبصيرة ، ولو التفتوا إلى هذا الطريق كما التفتوا إلى شوارع عمان العاصمة تعبيدا وتجسيرا وتخطيطا لكان في الوطن حياةٌ وفي الحياة وطنٌ. |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة