من المسؤول عن قتل 7 الآف دونم خصب من أراضي شمال المملكة؟
18-05-2007 03:00 AM
ما يحدث في الشمال الأردني مفزع، ويثير في نفسي غضباً يدفعني أحياناً على الحديث بصوت عال : لماذا؟ ومن المسؤول؟..كنت اقول دائماً: لو كنت مسؤولاً لفعلت كذا وكذا.. فالأراضي الزراعية تموت موتاً بطيئاً ، والكتل الإسمنتية تزحف كغول جامد حول سهول الشمال إلى بنايات ودور وفلل. ويقال أن ثمة مشروع لمطار في الشمال في الأرض الواقعة بين جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية وبلدة الصريح سيأكل ما تبقى من تلك السهول الممتدة من جنوب مخيم الشهيد عزمي المفتي والصريح حتى حدود مدينة الرمثا والجامعة.. تنظر يميناً ويساراً حتى في مناطق شرق اربد وحوارة ..فلا ترى إلا حواجز الإسمنت والبيوت التي يتذرع اصحابها بأنها ملكيات خاصة من حقه أن يبني عليها متى شاء وكيفما شاء.. وترى مالكي الأراضي يشكون من كميات الحديد التي تستخدم لأساسات تلك البيوت ..وعندما تقول له إنها أراضي زراعية تربتها حمراء وستكلفك الأساسات مبالغ باهظة يرد عليك بالقول: إنها أرضي وأنا حر في البناء عليها مهما كلف الأمر.. جوابي: لماذ تشكو التكاليف الباهظة إذن؟.
اخترقت الشوارع "الزراعية" تلك الأراضي وفق تخطيط يبدو انه معد مسبقاً.. فكانت النتيجة ان ارتفعت أسعار الأراضي وتحولت بين ليلة وضحاها الى أراض سكنية.. وما حدث في اربد وسهولها الرائعة حدث قبله أو بالتزامن في عمان العاصمة لتختفي خلال سنوات قليلة واحدة من أغنى الأراضي الزراعية في مناطق غرب العاصمة ويحل محلها الإسمنت ولا اقول "العمران".
مناسبة هذا الحديث، هو ذلك الإحتجاج الذي تقدم به أصحاب الأراضي في منطقة الحصن جنوب غرب مدينة اربد معترضين على المسار المرسوم لطريق الحزام الدائري المنوي المباشرة بتنفيذه خلال العام القادم ، في الوقت الذي أكدوا فيه أن 85 % من المتضررين سيتم استملاك أراضيهم بدون الخضوع للتعويض بموجب قانون الاستملاك والربع القانوني .
المتضررون وفق خبر نشرته صحيفة الرأي الأردنية اليوم طالبوا في مذكرتين وجهتا إلى رئيس الوزراء ومدير عام دائرة الأراضي والمساحة بإعادة النظر في مسار الطريق أو تخفيض سعة الشارع وإعادة النظر في الربع القانوني ، معتبرين عملية الاستملاك الذي أعلنت عنه دائرة الأراضي والمساحة بداية الشهر الماضي (جائرة ) بحق مالكي الأراضي الزراعية والتي يتهددها تفتيت الملكية والتجزئة والقضاء على الزراعة في أكثر من سبعة آلاف دونم من أخصب مناطق المملكة المشهورة بزراعة الحبوب .
وبينوا في التقرير الذي أعده الزميل أشرف الغزاوي أن فتح الطريق سيعمل على إدخال المنطقة ضمن حدود التنظيم مما سيؤدي إلى الزحف العمراني تجاهها بما يدمر الملكية الفردية للأراضي الزراعية وهذا ما سيجعل الطريق الدائري مستقبلا طريقا داخليا ، داعين الجهات الحكومية إلى التفكير بطرق بديلة متوفرة مثل طريق اربد - عمان ومثلث النعيمة - الرمثا والتي تحتاج فقط إلى التوسعة .
ويهدف انشاء طريق الحزام الدائري والذي يأتي بطول 53 كيلومترا وتتجاوز كلفته 55 مليون دينار إلى توفير خدمة حركات المرور المتولدة ضمن منطقة إربد الكبرى إلى المناطق الأخرى من دون المرور بمركز المدينة علاوة على ربط الطرق الشعاعية الرئيسة التي تربط عمان وعجلون والشونة الشمالية وأم قيس وحوارة والرمثا بهدف خدمة المرور الخارجي النافذ من والى تلك المدن من دون اللجوء إلى وسط مدينة إربد.
لسنا ضد التحديث والتطوير ، لكننا حتماً ضد التخريب، وما يحدث هو عملية قتل وتخريب للأراضي الزراعية في الشمال .. لا املك أرضاً وقد يكون من حق الفرد أن يتصرف بأرضه كيفما شاء وفق القوانين المرعية، لكن لماذا الإصرار على قتل ما تبقى من أرض زراعية؟ لماذا لا يتم البناء السكني في المناطق الجبلية الوعرة مثلاً.. غير القابلة للزراعة؟ هل زار مسؤولو الزراعة في بلدنا بلدان العالم الأخرى المتقدمة التي تحظر البناء في السهول والمناطق الزراعية؟
هل تعلمون أن الاراضي المزروعة في المملكة تشكل ما يعادل 3,6% فقط من مساحتها الاجمالية التي تبلغ حوالى 88777 كيلو مترا مربعا ..وأن المساحة القابلة للزراعة تبلغ حوالى 8,9 مليون دونم تشكل 10%من اجمالي مساحتها وفقا لاحصاءات وزارة الزراعة لعام 2005 .
إننا أمام كارثة وطنية سببها غياب القانون الحازم، والفردية التي ترى أن من حقها أن تبني في أي مكان تشاء ووقتما تشاء.. ومسؤول لا يرى حرجاً من تفتيت مزيد من الأراضي الزراعية؟.