سياسة باب الحارة الأردنية
علاء مصلح الكايد
26-05-2019 04:44 AM
يصر القائمون على مسلسل باب الحارة بإستمرار عرضه للموسم العاشر على التوالي رغم خسارته للسواد الأعظم من متابعيه ، و بعد أن كانت الطرقات تكاد تخلو لدى عرضه بات أشبه بمجرد عادة لدى القائمين عليه و النزر الضئيل ممن بقي من المتابعين و إن إضطرّ الأمر لإحياء ممثلين ماتوا في أجزاء سابقة !
في الأردن ، لا يختلف حال السياسيّين و في المعارضة على وجه التحديد عن سيناريو باب الحارة المتكرّر ، وما من أحد منهم يلتقط الإشارتان المتوازيتان ، الملكيّة و الشعبيّة نحو التجديد و قلب الصفحة .
فجلالة الملك يخاطب الكتل البرلمانية و الشباب و الوجوه الجديدة لتدلي بدلوها و تشكّل الأحزاب القادرة ، و الشعب يكفّ عن الإنضمام للأحزاب القائمة و بعض من تطرح نفسها على الساحة كقوى سياسية خارج رحم الأحزاب ، و تستمرّ رحلة المواطن - قبل اليأس - بالبحث عن البدائل للشكلين أعلاه كالنقابات و بعض الجمعيات .
و سبب العزوف ليس في التمكين ، بل قامت الدولة بما عليها في عملية تشجيع الإنضمام للأحزاب بدءاً من الدعوات المتكررة لرأس الهرم مروراً بالحفاظ على الإلتزام بتمويل الأحزاب في نسخة نظامه التشجيعية المطروحة للتعديل و إنتهاءً بتوزير أقطابٍ قبلت المشاركة في السلطة التنفيذية من المعارضة التي كان بعضها محظوراً في حقبٍ ليست بعيدة ، و تبقى المنظومتان الحزبيّة و شبه الحزبيّة تعانيان من تكلُّسٍ رافضٍ لإستبدال الوجوه و تغيير النهج و تجاهُلٍ للإشارات أعلاه .
فما يعاب على عديدٍ من الأحزاب أنها لا تبيع الديمقراطية من باب أنّ " فاقد الشيء لا يعطيه " ، وكيف لمن يحتكرون مقاعد الأمانة العامة لحزبٍ أن يتداولوا السلطة و هم عاجزون عن تداولها في بيوتهم الداخلية حيث أن كثيراً منهم يسيطر على كرسيّ الأمانة العامة لأكثر من عشرة سنوات و يزيد ؟
و كيف لحزبٍ يصادر حقّاً دستوريّاً كالهرشُّح أو الإنتخاب بقرارٍ تنظيميٍّ ملوّحاً بمحاكمة و فصل المشاركين إذا هُم شاركوا رغم أن المشاركة هي الأصل لا الإستثناء عدا عن قدسيّتها كحقّ ؟ و غير ذلك الكثير من الأمثلة المنفّرة و الطّاردة للجمهور .
أمّا الحركات السياسيّة التي تعتبر نفسها نواةً لأحزاب مستقبليّة فهي تعاني إمّا من رجعيّة الخطاب و تقليديّته كالأحزاب أو من إستهلاك وجوه بعض رموزها إذ يعتبرهم الشارع إمّا باحثين عن مناصبٍ سَلَف لهم وأن شغلوها أو أنّهم جزءٌ من المشكلة التي يطالبون بحلّها بحكم خدماتهم السابقة في الدولة .
عامٌ واحدٌ فقط بات يفصلنا عن الميقات الدستوريّ لإنتخابات المجلس النيابيّ التاسع عشر ، و ما زالت الشكوى في غير محلّها إذ تنصبُّ على القانون و الحقيقة أن الأساس للتغيير لن يكون إلّا بفكرٍ جديدٍ يُحيي النفوس ، فكرٌ عمادهُ الواقعيّة و سعة الصّدر و مقارعة الحُجّة بالحُجّة و البُرهان عبر علاقة مهنيّةٍ إنتاجيّةٍ ليست إبتزازيّة ولا إستفزازيّة مع الدولة ، فكرٌ يحمل برامجاً حقيقيّةً مُعلنة لا مخفيّةً أو منعدمة ، فكم من حزبٍ أردنيٍّ ينشر برنامجاً على موقعه الإلكترونيّ ؟ و كم من تلك البرامج واقعيٌّ يطرح الحلول ولا يكتفي بالإنشاء أو عرض التحدّيات فقط ؟
قد لا تتمكّن القوى الراغبة بالوصول إلى السلطة المرغوبة شعبيّاً من تشكيل أحزاب قادرة على الإيفاء بمتطلبات الترخيص و المنافسة عبر القوائم حتى موعد الإستحقاق الدستوريّ المقبل ، لكنّ قوىً برأسٍ واحدٍ لكلّ منها معروفٌ لدى الشعب بفكره و مصداقيّته كافيةٌ لأن تشكّل خطوة إلي الأمام تكون بديلة للتكلّسات المسيطرة على الشارع السياسيّ ، و هذا يحتاج برامج مستحدثة تعالج القصور في الهوية الأردنية جميعها ، إقتصاداً و فنّاً و رياضةً و سياحةً و أدباً ، و أخيراً سياسة .
لقد مَلَّ الشّارع ، و إنّ الأمل ليتأتّى منه لا يُنتظر من الدّولة ، هكذا هي السياسة منذ وُلِدَت إذ يفرض قويّها نفسه على الساحة ضمن سياق الدستور و القانون ، لا سيّما وأنّ العصر بات أكثر إنفتاحاً و أصبح إبنُ أقصى الشمال قادرٌ على الوصول عبر الأثير لإبن الجنوب العكس صحيح و إلى المغترب حتّى .
لن يترك أحدٌ مقعده الحزبيّ أو التّاريخيّ طوعاً ، لذا ؛ وجب على أصحاب الفكر أن يقدّموا أنفسهم و أن يحتملوا ما سيصحب ذلك من تخوينٍ و تشكيكٍ بالقدرات و ربما ما هو أبعد ، و قد كتبتها سابقاً و أكرّرها " إنّ المرور عبر متاريس المعارضة التقليديّة نحو السُّلطة أصعب بكثير من بوّابة الدولة " .
و قل إعملوا ، فالفرصة متاحة و الوطن يستحق و الطاقات موجودةٌ و زاخرة .