نحتفل بعيد الاستقلال الثالث والسبعين لدولتنا الأردنية، ولكن اليوم ليس كباقي الأيام السالفة، فاستقلالنا على المحك، وسيادتنا الوطنية تواجه تحديا صعبا في ظل تعقيدات سياسية واقتصادية متراكمة وضاغطة داخليا وخارجيا، ولأننا أستقلنا من التبعية الوصائية للتاج البريطاني عام 1946 فلا نزال نرى أننا بحاجة الى استقلال فرعي لنتخلص من التبعية لقرارات ضاغطة كي تبقى الدولة قوية، فصفقة القرن باتت على الأبواب والإعلان عن تفاصيلها بات ثانوياً، لأن الكتاب يقرأ من عنوانه، ويبدو أن قدر الأردن أن يبقى يدفع الأثمان غالية.
الدعوة الأميركية لعقد مؤتمر البحرين لمناقشة الإجراءات الإقتصادية المتعلقة بالأراضي الفلسطينية، تضغظ على الأردن للمشاركة في جنازة جديدة لقراءة الفاتحة على روح جديدة، ومع أن رصّ الصفوف في الداخل الأردني بات في أوجه ضد كل ما سينتج عن صفقة القرن، فإن واشنطن أخذت على عاتقها التفاوض المباشر مع الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية التي تريد الإدارة الأميركية التخلص من جثتها ودفنها في مقابر الجيران أكان ذلك في الأردن أو لبنان أو سوريا وسيناء مصر، وهذا ما لا يقبله الشعب الفلسطيني كما لا تقبله الشعوب العربية، فهو يعني نكبة جديدة على حساب أهل الأرض والقضية لحساب الشعب الإسرائيلي الذي لا يقدم أي شيء سوى الشكوى من الخطر العربي عليه.
عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية طرحت الولايات المتحدة مشروع مارشال لإعادة بناء الاقتصاد المالي الأوروبي المدمّر، وكانت 13 مليار دولار كفيلة بمعالجة المسألة، واليوم يبدو أن واشنطن عادت ثانية لتطبيق ذات الرؤية المارشالية على دول طوق فلسطين، لمواجهة أي مشاكل أو اضطرابات قد تؤدي الى تأجيج الصراع ضد الكيان الإسرائيلي، وهذه رؤية دونالد ترمب وطاقمه الأكثر إسرائيلية من نتنياهو نفسه.
مؤتمر البحرين هو التطبيق الجديد لمارشال من نوع آخر، الأرض مقابل المال، وهو باختصار توزيع «التركة التعويضية للمرحوم»، فهل الأردن مستعد لأن يتنازل عن حقه، وهل سيقبل أن يكون سجادة حمراء لضيوف جدد، وهل لدى الحكومة الأردنية القدرة على مواجهة اندلاع احتجاجات معارضة داخلية من جانب داخلي آخر،وهل سنبقى نتحمل تهم التخوين والعمالة والتبييع والتضييع ونحن الذين أكل السكين من لحومنا لعقود طويلة؟ أعتقد بـ لا رابعة.
إن حضور مؤتمر البحرين أو عدم المشاركة هو السكين ذو الحدين بالنسبة للأردن، ولكن يجب تقدير مدى الضرر السياسي الذي سيصيبه إذا عادت الإسطوانة القديمة لتصدح بأننا خنّا مبادئنا، وهذا ما رفضه جلالة الملك مراراً وتكراراً، ولكن في المقابل سيكون العقاب قاسياً، فكم سيتحمل الظهر الأردني من جلد السياط إن شارك أو لم يشارك، المال يمكن إنفاقه بسهوله، ولكن الأرض والإنسان لا يمكن تسييلهما فهما ليسا دولارا ليتم صرفه، ولنا في نتائج معاهدة وادي عربة أوضح درس يمكن الإستفادة من أوجاعها.
كل عام واستقلالنا بخير.
Royal430@hotmail.com
الرأي