في الأستقلال .. لمن تشتكي حبة القمح!
د.طلال طلب الشرفات
25-05-2019 03:28 PM
الأستقلال في لغة الكرامة حياة وخلود وفي معاني الكبرياء حكاية شمس لا تغيب، والأستقلال رسالة تبدأ في صون هويتنا الوطنية ولا تنتهي في صفقة او نكوص او قلق او ابتلاء في جنبات الوطن هنا وهناك، والأستقلال نتاج أمين لتضحيات الشهداء والبناة الأوائل والتوأمة الخالدة بين الهاشميين والأردنيين منذ التأسيس وحتى يومنا هذا رغم كل منغصات الأداء في عقدنا الأخير، وخلافاً لكل أحلامنا المسجاة بين تردد وعناد، وغياب رؤية وحكمة وحياد، استقلال مشوب بقلق وألم وتغييب لكل الأطر الوطنية الناجزة في صون الهوية وتعزيز الأستقلال.
ثمة خلل اكيد في أدوات صيانة مفهوم الأستقلال الناجز، وجملة من المخاطر الكبيرة التي تعتري مسيرتنا الوطنية بعضها داخلي بأدوات خارجية والبعض الآخر خارجي بأدوات داخلية، وشيوع الهويات الفرعية ذات النسق السياسي المنحاز لافكار تذكرنا مرة اخرى بالليبراليين الجدد الذين دمروا مقدرات الوطن وقتذاك، والشبق الفكري المهين لثوابتنا الراسخة هما من اخطر ادوات بعثرة الأنجاز الوطني، وتقزيم الكفاءات الوطنية المخلصة واستبدالها بأدوات هجينة طارئة غريبة على ثوابتنا الوطنية الراسخة وتنخرط في محاكاة مصالح الأجنبي الخبيثة تحت اسماء ومسميات واهية ومدانة، وأدوات تثير الحنق والاحتجاج.
التمويل الأجنبي بأشكاله المختلفة للمنظمات الأهلية والحكومية والأشخاص هو احد اهم المخاطر على استقلالنا الوطني، ومن اسباب انهيار منظومة القيم الاجتماعية في العقدين الأخيرين، والرقابة الشكلية التي تظن الحكومة انها تقوم بها هي رقابة رخوة وغير جادة لا تحاكي المخاطر الحقيقية لأسباب التمويل الأجنبي ومراميه، وليس هناك دراسات او رصد وطني دقيق لمخاطر التمويل الأجتبي على الأمن الأجتماعي والهوية الوطنية ومنطومة القيم الأجتماعية والسياسية التي انهارت بطريقة متسارعة - للأسف - مهدت لنشوء قيادات هجينة وطارئة على قيمنا الوطنية الأصيلة التي صانت مضامين الأستقلال ومكتسباته منذ تأسيس الدولة وحتى عهد قريب.
في الأستقلال علينا ان نتفق بوضوح على اولوياتنا الوطنية، وأن ندرك ان الأوطان لا تبنى بالأحلام المنفلتة من ادوات الرقابة الشعبية والبرلمانية، ولا تدار بمشاعر الاقتصاد الرقمي والريادة المنتجة لعوامل العجز ، فالوطن اكبر من ان يكون حقلاً لتجربة مقاييس الفهم الجديد للأداء العام، وعلاقة النخب بالحكومة تتطلب اعادة فهم ومصارحة ومكاشفة بعد ان تلوثت تلك العلاقة الى مستويات مقلقة لا تليق بمهام مؤسسات المجتمع المدني في الاسهام في رسالة البناء الوطني، الامر الذي يستوجب ضرورة اعادة الحكومة الى رشدها في صياغة مفهوم الخطاب الوطني العام وأسلوب الادارة الوطني الجامع شاءت هذه الحكومة ام ابت.
في يوم الأستقلال علينا ان نعترف بحالة الأغتراب الحزين والمفجع عن الحكومة وادواتها، والأستغراب من حالة الصفار الذي يعتري وجه الدولة هذه الأيام، صفار خطير ينذر بمخاطر حقيقية على هوية الدولة ودور قواها الوطنية الحية في ظل حكومة تؤمن بالتبعية والتفرد لا بالشراكة مع القوى السياسية والأجتماعية والنقابية، وتلقي بظلال الشك على كل تعهدات الحكومة والتزامات رىًيسها ، وتجعل من المطالبات الوطنية بتقويم سلوك الحكومة السياسي مطلباً وطنياً ملحاً، الا اذا كانت الحكومة ترى ان تلك المطالبات تشكل عقبة في طريق الأصلاح من ناحية ولا تخدم استراتيجية ومتطلبات الدولة الحديثة من ناحية أخرى فعندها يكون لكل حادث حديث.
في يوم الأستقلال ولدقة الظرف نريد للحكومة ان تبقى، وان نتوحد لمواجهة مخاطر صفقة القرن، وبالمقابل على الحكومة ان تقّوم سلوكها السياسي، وتعالج حالة البهات المقيت في اداءها العام، قبل ان نضطر مرغمين لأن نصنع رحىً للريح تتحدث عنه الركبان. وعاش الوطن حراً مهاباً مستقلاً بقيادته الحكيمة وشعبه الأصيل ترعاه عناية الرحمن...!!