عبد السلام المجالي، الجنوبي المعتّق برائحة الوطن ..
د. نضال القطامين
25-05-2019 04:13 AM
ليس سهلا أبداً، أن تصف رجلا بحجمه. هو مزيج من اشتباك قمح السهول بزيت الشجر المبارك في تلال الياروت، ابن الكرك والمجالية، جنود الوطن وشهداؤه، جَلَيٌّ في تكوينه، وساطعٌ في سداد رأيه.
هو أحد "الأخوة العُبّاد" الذين تبدأ أسماؤهم بالعبودية لله، وهو الذي كان الحسين يثق به في مفاصل مهمة في تاريخ الدولة، أحد المؤسسين للجامعة الأردنية ومدير الخدمات الطبية وطبيبه الخاص، ثم قيادة مفاوضات السلام وسط ظروفها القلقة، ثم رئيسا للوزراء مرتين.
هو واحدٌ من أولئك الذين صنعوا فرقاً في الحياة وفي بناء الدولة. طبيباً عاماً في الجيش ثم قائدا لمشفى القوات المسلّحة الرئيسي، ثم وزيرا للصحة والتربية ورئيسا للجامعة الأردنية ثم رئيسا للوزراء.
هو واحدٌ من البناة، ومن الأيقونات النادرة، في العلم وفي السياسة. في الحزم والجرأة واتخاذ القرار.
قاد مفاوضات معاهدة السلام، وغير مرّة، كان مقنعاً في الحديث عن ظروفها وأسبابها ونتائجها.
كانت رحلة دولة الكبير أبي سامر، طويلة من "بيت الشعر إلى سدّة الحكم"، على رَحَابَة حياته الكبيرة واتساع نهوضه بالواجب الوطني، عسكرياً ومدنياً، لم تجافه الكياسة واللياقة ولا الجرأة، إبّان مسؤولياته طبيبا وضابطا ووزيرا ورئيس وزراء، وما زال رغم أعوامه التسعين، محاضرا ضالته الحكمة في جمعية الشؤون الدولية.
لم تُطعهُ العبقرية الإستثنائية تركَ مواقعه أينما حلَّ وارتحل دون قيمة مضافة. أدارَ الخدمات الطبية الملكية في المستشفى الرئيسي عشر سنين، ثم خلع بزة الجيش برتبة لواء ليكون وزيرا للصحة في عام 1969، وهناك، أيقن ببصيرة القائد، أن مستشفيات الوزارة المتناثرة في جبال عمّان لا تخدم مريضا ولا طبيبا في بعدها المتعب، وبعين الخبير التي تنظر خلف الأشياء، جمّعها كلها في مكان واحد، وهكذا صار مستشفى البشير مركزا لها، وحين بزغت شمس إبداعه القوية، ذهب للجامعة الأردنية ليكمل فيها مسيرة التأسيس نحو التميز والنضوج.
كان في عنفوان التميّز حين كُلّف بحقيبة التربية والتعليم في منتصف سبعينات القرن الماضي.
بقي هناك يخطط وينفّذ رؤىً تربوية جديرة بأن تكون ثوابت في نهج التربية القويم، اتكأ على قامات تربوية خالدة، كان أحدها مدير تربية عمّان، والدي المرحوم ابو نضال.
عاد في بداية الثمانينات رئيسا للجامعة الأردنية من جديد. كنت قد التحقت بكلية الهندسة في إحدى جامعات إنجلترا. لقد كان له فضل في ذلك لم ينسه أبي، ولن أنساه.
نستجلب في ليل الأمة الحالك، شموسها المضيئة، ونرفع وسط العتمة ضياءهم المتوهّج، علاماتٍ وأثرْ، ونجوماً تهتدي بها خطانا وأقلامنا.
يمضي الزمن سريعا، وترحل الأيام ويبقى غربالها، وسيذكر الأردنيون في هذه الدولة التي نحتفي باستقلالها اليوم، أعلامهم الخالدة، وجنودها الأوفياء، وسيبقى اسمك يا ابن الكرك ويا ابن الجيش وابن الوطن،رقما صعبا، في مزاياه الوطنية والعربية والعالمية.
يزوره جلالة الملك، ويطمئن على صحته. هذا شأن القادة الذين لا يقطعون حبلاً مع البناة، وسأزوره اليوم، سألقي حين أراه التحية على التاريخ الكبير والمواقف العظيمة. يسرّني سماع الحكمة، يسرّني أنه ما زال على قيد هذا الوطن، يُستأنس برأيه ويضفي حضوره دفئاً استثنائيا.