الملاكمة: تزيد اللياقة الجسدية والنفسية
25-05-2019 02:56 AM
- تشتت تركيز الدماغ على أفكاره السلبية وتؤهله لاستقبال الحلول:
عمون- من بديهيات فطرة دفاع المرء عن نفسه، أن يحدّد مصدر الخطر، فيشهر قبضته ليردع بها الأذى عن وجهه قبل أن يتلقى الصفعة، ثم يسدد اللكمات تجاه هذا الخطر أيّا كان، وهذا باختصار مبدأ مواجهة الحياة بكل مشكلاتها وصراعاتها وحروبها وتحدياتها، والذي استعمله الكائن البشري منذ ظهوره للحفاظ على وجوده، فحتى تنتصر وتنجح وتتجاوز العثرات، عليك أن تقوّي قبضتك، وتقاتل نحو أهدافك واقفاً، على طول المسير.
من المعروف أن ممارسة الرياضة لها فوائد عديدة في تحسين المزاج.، وربط عدد لا يحصى من الدراسات ما بين النشاط الجسدي والمستويات المنخفضة للمشكلات النفسية والسلوكية.
وتوصلت دراسة في علم النفس نشرت مطلع العام الحالي على موقع (دكتور نت) البريطاني، إلى أن ممارسة رياضة الملاكمة على وجه الخصوص من شأنها التخفيف من أعراض الاكتئاب والقلق المرضي، كما تساعد على الخروج من النكسات العاطفية بسرعة قياسية.
وقالت صاحبة البحث (فيليستيني جيوبنز) أنها لم تكن رياضية على الإطلاق في ما سبق، لدرجة أنها لم تكن تستطيع التنفس أثناء المشي لعدة أمتار، وكانت تعاني من القلق ليلا، مما يجعلها شخصية متوترة وعصبية طوال النهار، حتى اقترحت عليها صديقة أن ترافقها لحصة جماعية للملاكمة، وذكرت في الخلاصة أنها خرجت منها وهي تشعر كأن جبلا كان على كاهلها وانزاح، وبعد شهر من ممارستها للملاكمة لمدة 45 دقيقة، ثلاث مرات أسبوعيا، شعرت بالتأثير الإيجابي على حياتها وزادت من ثقتها بنفسها خارج النادي الرياضي، وقللت من توترها، فانضبط نومها وانتظمت دورتها الشهرية، وتحسنت بشرتها، وزادت لياقتها الجسدية والنفسية.
وتحاكي هذه الدراسة الطريقة التي أساعد الأشخاص الذين يمرون بصعوبات متعلقة بصحتهم النفسية أو العقلية عن طريق ممارسة الملاكمة، فهي كسائر الرياضات الهوائية / الكارديو (التمارين التي تعتمد على زيادة نبضات القلب لحرق الدهون)، تزيد من إفراز الإندروفين، الذي يعتبر معززاً طبيعياً للمزاج، لكن ما يميزها أنها تخفف أعراض القلق والاكتئاب؛ عن طريق تشتيت تركيز الجسم والعقل على الأفكار السلبية والمخاوف، وبالتالي تكون وسيلة فعالة للخروج من النكسات العاطفية أو العملية، ومواجهة المشكلات اليومية والأزمات، وإيجاد حلول لها ،وحتى للتخفيف من الآثار المترتبة على مرض أوموت شخص عزيز.
إضافة لما سبق، يؤكّد المتخصصون في العلوم الاجتماعية والنفسية، أنّ ممارسة أي نشاط جماعي من أهمّ ما يمكن أن يدعم ثقة الشخص بنفسه، ويخفف عنه الإحساس بأنه الشخص الوحيد الذي يشعر بالمعاناة أو الإحباط أو الاكتئاب، ولأن الملاكمة من الرياضات التي يمارسها المتدربون في حصص جماعية، فهي تتيح لهم الانخراط في نشاط مرح، ويتعرفون على أصدقاء جدد في جو اجتماعي داعم، فتقوي الشعور بالإنجاز والثقة بالذات، وتقلل من الغضب والضيق، وتشجع على تبني أسلوب حياة أكثر صحة، ما يعود بالنفع على السلامة الجسدية والعقلية وعلى النوم وعادات تناول الطعام وإدارة الأزمات.
ويًذكر أنّه تم الترويج لصفوف الملاكمة في ملتقى لندن الأخير للاكتئاب والمشكلات المتعلقة به، إذ أنّ الطاقة الهائلة المبذولة والمقترنة بتكنيك غير عشوائي يستلزم التركيز والتفكير، يساعد فعلياً في التخلص من التوتر الذي يؤدي إلى الاكتئاب المرضي إذا ما لازم الشخص لأكثر من أسبوعين متتاليين.
ومن هنا، جاء تطبيقي لاستخدام الملاكمة للعلاج والاستشفاء، عن طريق توفير مساحة للناس لمشاركة مشاعرهم وممارسة طرق للتعايش مع مشكلاتهم، والاستفادة من دعم المجموعة.
فأقوم بجمع المتدربين معي في الصالات الرياضية المختلفة تبعا لأعمارهم ونوعية المشكلات والأهداف، حتى أوفّر لهم مساحة متجانسة وجو من الثقة والانفتاح أثناء التمرين، الأمر الذي يشجعهم على التحدث عن مشكلاتهم وحاجاتهم أو أي شيء يجعلهم غير سعداء، وبعد التفريغ العقلي لتلك الأفكار عن طريق الحديث، والتفريغ الجسدي أثناء التمرين، يكونون على استعداد لتلقي كل ما أحفّز أدمغتهم نحوه لتجاوز ما يعانون منه، وأخيرا تكون تمارين التنفس والاسترخاء، وهكذا يعودون إلى حياتهم اليومية وقد تخلصوا مما يعيقهم ويوترهم ويحميهم من الوقوع في الاكتئاب المرضي المزمن وما يرافقه من انعزال وقلة ثقة بالنفس والآخرين وإهمال للحياة العائلية والعملية.
خلاصة القول، أنّ جميعنا يمر ببعض الأوقات التي لا تسير فيها الأمور على ما يرام، ويشعر أن سينفجر ويريد ضرب شيء ما، والملاكمة هي الحل. فيمكنك ممارستها مع أحد الأصدقاء في الحصص الجماعية أو من خلال كيس الملاكمة مع مدرب محترف. وفي كلتا الحالتين، فإنك ستخرج العدوان والتوتر الذي بداخلك، وسيساعدك التركيز على حركات الأطراف أثناء الملاكمة على تصفية ذهنك، وستكوّن صداقات جديدة وعلاقات مختلفة، وحدها التجربة ستثبت لك ذلك.
أنس زكريا (مدرب ملاكمة وباحث في العلاجات السلوكية بالرياضة)