مؤتمر البحرين .. أولويات متعارضة
د. صبري ربيحات
24-05-2019 01:10 AM
الأميركيون معنيون بدعم اسرائيل والحصول على اموال ونفط الخليج، والخليجيون مهتمون بتدمير ايران ومباركة اميركا لحكمهم وسياساتهم، والفلسطينيون يسعون لاستعادة أرضهم وسيادتهم، اما الاسرائيليون فليس لهم إلا ابتلاع ما تبقى من فلسطين وقبول العرب بذلك. يبقى الأردن عالقا بين كل هذه الرغبات المتضاربة فلديه مشكلات اقتصادية كبيرة وحاجة إلى الاستقرار ورغبة في دور اقليمي وحل لمشكلات اللاجئين والقدس والمياه وكل البنود التي بقيت عالقة منذ اتفاقيات اوسلو ووادي عربة. السؤال المطروح يتعلق بالاولويات التي سيعالجها المؤتمر ولماذا اختيرت البحرين وهل لمصالح الفلسطينيين مكان على الاجندة الخليجية الاميركية الاسرائيلية؟
اسابيع قليلة تفصلنا عن الموعد الذي ضربته الادارة الاميركية للاعلان عن صفقة القرن. حتى اليوم لا احد من العرب يعرف التفاصيل الكاملة للصفقة إلا ان الكل يستطيع قراءة الملامح العامة والرابحين والخاسرين. لقد نجح الفريق المكلف بإعداد الصفقة في الحفاظ على سرية بنودها فهناك خمسة إلى ستة اشخاص يعرفون التفاصيل مع ان الكثير من الاصدقاء والحلفاء والاعوان منخرطون في التمهيد وتجريف اي مقاومة لها.
العرب مطالبون بالانخراط في العملية التي بدأت قبل ان يعلن عنها. سلسلة من خطوات الترغيب والترهيب تلوح في الافق فقد حضر الاسطول الاميركي إلى المنطقة وارتفعت وتيرة التصعيد وجرى التبشير بحل الازمات الاقتصادية للاطراف المعنية ووعدت المنطقة بنهضة اقتصادية شاملة ورفع لكل المعوقات التي حالت دون حل المشكلات والازمات الاقليمية والمحلية ومع ذلك ما يزال الارتباك يسيطر على مزاج الزعامات ومواقفهم. الجميع قلق من ان يبدي حماسا علنيا للصفقة فيواجه نقمة شعبية واتهامات بالخيانة والتنازل أو ان يتحفظ عليها ويرفضها فيكون بعيدا عن الطاولة وتتجاوزه الاحداث فيخسر الدعم ويرفع عنه الغطاء ويواجه احتمالية التغيير والاستبدال. في هذه الاجواء المشوشة يعيد الجميع قراءة الاوراق ويبحث البعض عن غطاء عربي ولا يرغب احد ان يكون لينا فيعصر أو صلبا فيكسر فهناك قدر من المناورة التي يقوم بها الجميع بطرق واساليب متباينة.
وسط هذه المخاوف واجواء الترقب والقلق والانتظار ينعقد مؤتمر البحرين الذي قيل انه سيعالج الجوانب الاقتصادية للصفقة. في اختيار البحرين مكانا للمؤتمر العديد من الرسائل والكثير من الاسئلة فمن ناحية كانت البحرين اول الاقطار الخليجية التي اهتمت بالمال والبنوك، وهي مقر للقنصل البريطاني التابع للمستعمرات الهندية وقاعدة من القواعد العسكرية البريطانية. في هذه المرة اختار الأميركيون المكان والزمان وصنعوا الاجواء التي يمكن ان تسهم في انجاح المؤتمر، فالبحرينيون اكثر حماسا لوجود حلف اقليمي يساعدهم على الوقوف في وجه الاخطار الايرانية وهم من اقل الانظمة العربية ممانعة للتطبيع. وفي البحرين شواهد كثيرة على ما تمثله ايران من خطر على امن المنطقة ومستقبل شعبها ونظامها. على مدار السنوات الماضية ظلت البحرين الاكثر اكتواء بنيران الطائفية والاشد معاناة من التأثير الفارسي والاقرب إلى مصدر الخطر مما يجعلها الاكثر تأييدا إلى وجود جبهة قوية ودعم كبير يعزز شعورها بالامن ويدعم صمودها في وجه التهديد الايراني القائم والمحتمل. لهذا السبب تشكل البحرين ارضية مهمة لعقد المؤتمر فقد يسهم ذلك اذا ما كتب له النجاح في اعطاء دفعة قوية للصفقة ومكانة خاصة للبحرين في العهد الجديد.
في الكلمات التي سيلقيها المتحدثون ستجري الاشارة إلى الاخطار الايرانية ومعاناة البحرين واهمية تشكيل الجبهة الاقليمية. وسيشير الاميركيون إلى سفنهم واساطيلهم الراسية والمبحرة في عباب الخليج وحرصهم على حماية المنطقة والدفاع عن الاصدقاء. الحديث عن امن الخليج والعدو الايراني لا ولن يعوض الفلسطينيين عن ارضهم ولن يحل مشكلة اللاجئين التي تعاني منها الأردن ولبنان وسورية. الحديث عن المشكلة الفلسطينية في سياق وقف التهديدات الايرانية تهميش للقضية وخلط للاوراق وقد يكون ضحكا جليا على الذقون.
في اسرائيل هناك نشوة استثنائية حيث نجحت المخططات الصهيونية التي عمل عليها الصهاينة ومنظماتهم في تفكيك الجبهات العربية وخلق حالة من الصراع والشك وخلق حالة من الهشاشة والضعف تتيح لهم التحكم في مصير ومستقبل المنطقة دون مقاومة أو اعتراض. وفي نفس السياق يسير القرار الاميركي اليوم من قبل مجموعة هي الاكثر استعدادا لدعمها وتمكينها من الحصول على ما تريد حيث سلمت الخطة الاميركية لشاب يهودي يؤمن بحق اليهود في فلسطين وسبق ان تطوع للعيش في المستوطنات وتربطه علاقة روحية وعقائدية وسياسية باليمين الاسرائيلي وقياداته الحالية.
الفصل الاخير او قبل الاخير من القضية الفلسطينية يبدو منفصلا عن بقية النص وخارجا عن السياق يعكس بؤس المخرج ورداءة النص فمن غير المعقول ان تكون المشكلة في بلاد الشام والنقاش حولها في البحرين في سياق محاربة المد الشيعي. ما يجري اليوم يذكرنا بالمثل الأردني الشعبي الذي يقول العرس في مادبا.. والطخ في قفقفا .
الغد