اثار مسلسل "العاصوف " موجة من التساؤلات عن اسباب عرض احداث اقتحام الحرم المكي الذي كان في العشرين من شهر تشرين الثاني 1979م في هذا الوقت ؟ فقد كان الاقتحام من قبل جماعة لا يمكن اعتبارها بالاصولية او السلفية بل حملت دعوة ظهور المهدي المنتظر في شخص قائد الاقتحام " جهيمان العتيبي " وشريكه محمد القحطاني ..
كان الاقتحام في فجر رأس السنة الهجرية لعام 1400 هجرية ، وادخال الاسلحة والذخيرة بطريقة فيها اختراق لحرمة المسجد الحرام بالادعاء بانهم يحملون توابيت اموات للصلاة عليها داخل الحرم ،ومن ثم اعلان السيطرة على مداخل المسجد من قبل جماعة العتيبي والقحطاني بقوة تقدر بـ " 200 شخص " واستخدام صوتيات الحرم للدعوة لاهدافهم وتحريض الناس على الانقلاب والتمرد وغير ذلك بما لا يليق ابدا بحرمة المسجد .
استمرت هذه الجماعة بالتحريض والتخريب لقرابة الاسبوعين وخلال ذلك كان التخطيط يسير بطريقة محكمة للقضاء على الجماعة باقل الخسائر بين المدنيين الذين اصبحوا محتجزين داخل المسجد .
ولا نريد الخوض في تفاصيل الاحداث ،ولكن لا زال ملف هذه الجماعة يشوبه الغموض .. ولا زال السؤال : هل لهم امتداد ما ؟ وهل هناك جهات خارجية قد دعمت هذه العملية التخريبية ؟ وكيف كانت محاكمتهم تسير سريعا وتم اعدام من القي القبض عليهم ومنهم جهيمان العتيبي خلال ثلاثة اشهر من تاريخ العملية ؟ بينما تم قتل القحطاني خلال عملية التطهير ؟
والسؤال الذي يثار فيما بعد : من قام بالتخطيط والتنفيذ لهذه العملية ؟وما اصول الفكرة ؟
والسؤال هنا لا يقل اهمية عن السؤال الاول : لماذا تثار قصة العتيبي والقحطاني في هذه الظروف المعقدة ؟
خلال الاعداد والتخطيط لتنفيذ عملية الاقتحام المعاكس والتطهير استعانت المملكة العربية السعودية بقوات خارجية وخبراء .. ولكن لم يتم الاعلان عن جنسياتها ، وتسربت المعلومات عن وجود قوات خاصة فرنسية ،وتردد ذلك فيما بعد ، ولم تحمل الاخبار والتحليلات والتقارير عن وجود قوات اخرى في ذات الوقت ، ثم بعد سنوات تسربت معلومات عن وجود قوات اردنية خاصة لمثل مهمات الاقتحام ،وان قائد العملية المرحوم اللواء احمد علاء الدين ،خاصة ان المعلومات عن اقتحام الحرم قد ارتبطت بالحديث عنه بعيد وفاته في 14 تشرين الثاني 2014م مع الحديث عن حادثة اقتحام فندق الاردن وتطهيره من الارهابيين في عام 1976م والتي كانت بقيادة احمد علاء الدين .
ومن خلال تناول مسلسل العاصوف الحالي وعدم الاشارة الى وجود قوات اردنية ، فقد يكون لثلاثة امور :
الاول : ان السلطات السعودية ترفض الافصاح عن كيفية التخطيط والتنفيذ على اساس انها سرية للغاية ،
الثاني : انه لم يكن هناك اية قوات عربية او غيرها باستثناء الاعتراف بوجود قوات فرنسية .
الثالث : ان هناك قوات اردنية فعليا ولكن كان التجاهل من باب الانكار والجحود مثل العديد من الافلام والمسلسلات التي تجاهلت تماما الدور الاردني في احداث مثل حرب فلسطين 48 ومعركة الكرامة 68م.
هذا من جهة السلطات السعودية ،
اما من جهة الاردن : فقد يكون في سياق الاعتبار السعودي في الحفاظ على سرية الحدث وتفاصيله ومن اشتركوا في عملية الاقتحام ، هذا من جهة .. ومن جهة اخرى قد لا يكون هناك اي اشتراك اردني في العملية وعلينا ان نأخذ بهذا الافتراض ..
ولكن تم نشر كتاب في عام 2008 بعنوان " حصار مكة The Siege Of Mecca ) لمؤلفه ياروسلاف تروفيموف تناول تفاصبل عملية اقتحام الحرم وتحدث عن دور ضباط فرنسيين ولم يكن هناك اي ذكر لاي دور اردني في الموضوع ،والمؤلف من سياق كتابه هو مطلع على الاحداث من داخل الدوائر الرسمية السعودية .
ولكن حتى يكون الامر شفافا وواضحا ان الاشتراك بمثل هذه العملية الحساسة لا يمكن ان يبقى سرا على الاطلاق ، فالمشاركون لا بد ان يتحدثوا وينقلوا ما شاهدوا وما عملوا وبذلوا من جهود في التحرير والاقتحام ،
وحين نقول عام 1979 فان هذا التاريخ قريب جدا .. وان كثيرا ممن شاركوا في العملية من المفترض انهم لا زالوا احياء ، فلا زال لدينا ممن شاركوا في عملية الحفاظ على امن واستقلال الكويت الشقيق عام 1962م ،ولا زال بيننا ممن شاركوا في مقاومة المتمردين في سلطنة عمان من عام 1974 حتى عام 1976 ، حتى ان هناك بيننا من كان في حرب فلسطين 1948 !
واذا اردنا كشف الحقيقة فعلا فهل يمكن لمن اشترك في الهجوم المضاد وعملية التطهير ان يخرج علينا ويقول ها أنا قد كنت عنصرا من عناصر القوة الاردنية ؟
هل يمكن للجهات الرسمية ان تقول نعم او لا ؟؟
وهل يمكن نشر اية وثائق حول العملية ؟
فلا يمكن ابدا ان يتم تنفيذ مثل هذه العملية الا بوجود مراسلات مع المملكة العربية السعودية بطلب المساعدة ،
ولا بد من وجود امر انذاري للقوات الاردنية للاستعداد للمشاركة ،وان العدد لا يمكنه ان يقل عن خمسين عسكريا بمعنى انهم من كل انحاء الاردن ولا بد من انهم يتحدثون باعتزاز عن انجازهم ..
ولا بد من وجود امر عمليات وامر اداري وامر تنقل .. فالامور تكون وفق التخطيط العسكري الذي لا عشوائية فيه او ثغرات .
ولا بد من وجود هيكل تنظيمي لقوة الاقتحام يبدأ من السائق وسائق الدراجة والمراسل والطاهي والقلمي والطيار وضابط الاستخبارات وضابط التنسيق وفني الصيانة ومسؤول التزويد والارتباط وغير ذلك ،بمعنى وجود مصادر معلومات بيننا الان يمكنهم ان يتحدثوا عن ذكريات الاقتحام وحادثة التحرير والتطهير ونخرج فعلا بعاصوف اردني لا ان نتهم الاخرين بتجاهل دورنا ونحن بعد لسنا على ناصية الحقيقة . .
لذلك كاستنتاج ومن خلال معرفة السياسة الاردنية ومواقفها الداعمة للاشقاء العرب فانه لا بد الا وجرى اتصال فوري بين المغفور له الملك الحسين طيب الله وثراه واخيه خادم الحرمين الشريفين الملك خالد بن عبدالعزيز ملك السعودية ( 1975 – 1982 ) مبديا الحسين استعداده لتقديم المساعدة العسكرية فورا وهذه حقيقة لا لبس فيها .. ومثل هذا قد جرى في العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة عام 1956 حين بادر جلالته الى الاتصال مع الرئيس عبدالناصر واضعا امكانيات الاردن العسكرية في تصرف القيادة المصرية ،ولكن طلب عبدالناصر من الحسين التريث .وحين كانت مشكلة بنزت في تونس 1962واتصال جلالته يرحمه الله مع الحبيب بورقيبة واضعا القوات الاردنية في تصرف قيادة المقاومة التونسية .
ونحن اليوم امام اثارة هذا الموضوع .. ان ندرك اولا اننا نتحدث من باب النخوة الاردنية التي لا تقبل الوقوف موقف المتفرج ازاء اي كرب يصيب اي جزء من امتنا العربية ، فكيف الامر في اصابة مكان مقدس لدى العالم الاسلامي ،وان لا نتجاهل اسباب اثارة هذا الموضوع حاليا قبل البحث عن دورنا ومشاركتنا ،
وان نكون حذرين من تسويق بعض المعلومات الخاطئة والمجافية للحقيقة ونشر صور فيها ادعاء انها من زيارة قوة الاقتحام الاردنية ،وبالتدقيق البسيط نجد عدم صحة ذلك خاصة بالاشارة الى الصورة التي تجمع الملك الحسين طيب الله ثراه مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان ملكا في الفترة من 2005 الى عام 2015م وهي في زيارة احدى وحدات القوات الخاصة الاردنية .
واخيرا اقول ان الكرة في مرمى الجهات الرسمية في توضيح موقفنا ودورنا والخروج علينا بالوثائق والمعلومات لان في ذلك فخر اردني واعتزاز نقدمه لجيلنا الحاضر في التعريف بتضحيات جيشنا وحكمة سياسة قيادتنا .
والاشارة الى عدم وجود سياسة توثيق تاريخي اردنية بالمعنى الصحيح وانها سياسة ارتجالية مصلحية مزاجية اقصائية بلا موضوعية او منهج علمي .