حاجتنا إلى قانون أسرة عصري ينصف المرأة
فيصل تايه
22-05-2019 10:55 PM
في عصرنا الحديث ، بدأنا نقر بإنسانية المرأة ، ووجوب اعتبارها مواطنا كامل الحقوق والواجبات ، وفردا فعالا من أفراد المجتمع ، إلا أن ذلك لا يلغي أن المجتمعات العربية بالعموم والمجتمع الاردني بالخصوص ، لا تزال مجتمعات تمييزة ضد المرأة بامتياز ، ويتجلى ذلك واضحا في جميع مناحي الحياة ، ويتطلب جهدا دؤوبا من المرأة ومناصريها للنهوض بواقعها ، والوصول بها إلى المكانة التي تليق بها ، إنسانا كامل المؤهلات والحقوق والواجبات .
من هنا لا بد من الانطلاق من هذه النقطة ، فهي المحدد الرئيسي لواقع المرأة اليوم ، ويتعلق ذلك بالإرث التاريخي الذي صنف المرأة عبر قرون عديدة في مرتبة إنسانية أدنى من الرجل ، وحولها إلى شيء من ممتلكات الرجل ، وقصر وظيفتها في الحياة على الوظيفة الإنجابية ، ولخص وجودها كرمز للإثارة والمتعة ، وهذا كان واجبا اجتماعيا يحتم على المجتمع ممارسته ، لحمايته من الفوضى والتسيب ، مما ألغى عن المرأة صفتها إنسانا عاقلا مفكرا مبدعا .
ونتيجة استمرارية هذه النظرة للمرأة قرونا عديدة ترسخ في ذهنها واعتقادها هي نفسها ، مرتبتها الدنيا مما جعلها تستسلم لهذا الواقع وتقتنع به ، بل وتسعى لتكريسه ، بحصر اهتمامها في كثير من الأحيان بغواية الرجل ، أو الاهتمام بالسفاسف من الأمور ، أو المباريات الإنجابية ، ومما زاد في ذلك عزلتها وانقطاعها عن أي تأثيرات اجتماعية ثقافية ، وفي هذه الحال ليس من المستغرب اقتناع الرجل ، بمكانته الأعلى إنسانيا ، مادام ذلك الأمر في صالحه .
وهنا لا بد من التأكيد أن تصوير الرجل عدوا للمرأة ، وأن النضال في سبيل تحريرها ، عداء للرجل هو تصوير مشوه ساذج للأمور ، فأول من نادى وناضل في سبيل تحرير المرأة هم النهضويون العرب ، وعلى رأسهم علماء الدين ، الذين توصلوا بعد دراستهم لبؤس الوضع العربي الذي جعلنا في أدنى درجات السلم الحضاري ، أن لا سبيل للنهوض بالمجتمع دون النهوض بالمرأة ، وبداية الطريق تغيير نظرة المرأة لنفسها ، ونظرة الرجل إليها .
أن الأساس في المطالبة بحقوق المرأة هي المطالبة بحقوق الإنسان ، فالحضارة الإنسانية بلغت حدا من التطور جعلت المقياس لتطور أي مجتمع حصول كل فرد فيه على حقوقه الإنسانية والمواطنية ، واننا هنا في الاردن كم نحتاج الى إنصاف المرأة من خلال قانون أسري عصري يحل محل قانون الأحوال الشخصية الحالي ، مع تعديل جميع القوانين الأخرى التي تحمل تمييزا في مضمونها ضد المرأة.
إن مشروعية المطالبة بتعديل جميع مواد قوانين الأحوال الشخصية والجنسية والعقوبات وغيرها التي تحمل تمييزا ضد المرأة ، والمتعلقة بحقوق الولاية والقوامة والوصاية ، والمساواة في حقوق الزواج والطلاق والإرث ، وجميع الحقوق المدنية ،وذلك يأتي من قناعتنا بان المرأة هي إنسان كامل الأهلية ، مواطن كامل الحقوق والواجبات ، حسب ما يقر بذلك دستور المملكة الأردنية الهاشمية ، فحقوق المرأة جزء من حقوق الإنسان ، التي يجب أن تصان ، وفق ما تقر به جميع الشرائع والمواثيق الدولية ، و هي نتاج تطور الحضارات الإنسانية ، التي ساهم العرب أنفسهم بها في بعض الفترات التاريخية ، ولا سبيل لحرية مجتمعاتنا وتنميتها وتطورها ، دون تحرير المرأة والتي تمثل عدديا نصفه ، وكتأثير مجتمعي وتربوي أكثر من نصفه بكثير .
ما اريد قوله .. أن ليس هناك ما يمنع وجود قانون أسرة ، يمنح المرأة ، بل جميع أفراد الأسرة حقوقهم كاملة ، يتضمن بالأساس إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، بل إلغاء جميع أشكال التمييز ضد أي فرد من الأسرة ، بما يتضمن ذلك من حماية للأطفال من العنف والإهمال اللذين يمكن أن يقعا عليهم من الأم أو الأب ، وحماية الرجل أيضا من التمييز ضده في المصاريف الهائلة التي يتحمل عبأها وحده عند تأسيس الأسرة كالمهور الفاحشة وتأمين المسكن وتأثيثه ، وحمايته من الظلم الذي يقع عليه في الكد وراء تأمين لقمة العيش لأسرته دون أن تكون زوجته ملزمة بإعانته ، حتى لو كانت امرأة عاملة .
إن ما يمنع تطبيق مثل هذا القانون هو فقط العقلية الذكورية البطريركية ، التي سبق أن قبلت بإلغاء الرق و بتغيير الحدود في القانون كحد السرقة و الزنا والقتل ، في حين تقوّم الدنيا ولا تقعدها إذا طالب أحدهم برفع سن حضانة المرأة لأطفالها سنة واحدة !
لابد من الإشارة إلى أن تعديل القوانين لصالح المرأة ، ليس بلسما سحريا يمثل العلاج الناجع لجميع قضايا المرأة ، فكثير من النساء يجهلن حقوقهن المنصوص عليها في القانون ، ولابد من الحرص على تعريف المرأة بحقوقها القانونية ، وتشجيعها على أن تحتمي بها ، كما لابد من الحرص على سلامة تطبيق القانون ، ونزاهة القضاء واستقلاليته ، وتعديل النصوص القانونية بإيجاد مؤيدات جزائية تضمن تطبيق القانون .
من هنا فانتي ادعو جميع الناشطات والمدافعات عن حقوق النساء وانصارهن من الرجال العمل بشكل منظم لنصرة قضايا المرأة مما يشكل رديفا وداعما لعمل المؤسسات الحكومية ، واتاحة الفرصة لعمل جمعيات حقوق الإنسان لتمكينها من رصد أشكال التمييز ضد النساء، والعنف الممارس ضدهن، شأنه في ذلك شأن امتهان حقوق أي مواطن .
وللحديث بقية