الدكتور ناظم عارف
المحامي محمد غالب ابوعبود
22-05-2019 09:39 PM
بادئ ذي بدء فاني احيط القارئ الكريم لمقالتي المتواضعة أنني اكتبها لعللٍ ثلاث:
العلّة الأولى: هي التجاهل وعدم الالتفات لبعض الأشخاص الذين خدموا الوطن والمجتمع ولكن ما أن تبدأ شمسُ زمانهم في غياب ويخرجوا من مواقع المسؤولية لينساهم الناس وكأنهم غير موجودين،،،،وما أن يرحلوا عن هذه الدنيا وينتقلوا الى الرفيق الأعلى الّا وتبدأ الأقلام تكتب المقالات عنهم مستذكرين مناقبهم!!!
العلّة الثانية:هي قلّة الوفاء بين الناس في هذه الأيام وارتباط التواصل والوفاء – مع الاسف – بالمصلحة.
العلة الثالثة: هي انني تربيت على حب المعلم واحترامه وتقديره سواء في المدرسة أو الجامعة أو من تدربت عنده على ممارسة أعمال المحاماة،،، لذلك كان حبي لوالدي المرحوم القاضي والمحامي غالب أبو عبود بالاضافة لكونه أبي الذي احسن تربيتي وتعليمي الا انه كان استاذي في القانون والمحاماة وهذا سبب مضاف لحبي له.
تتلمذ والدي رحمه الله في مدرسة السلط الثانوية على يد اساتذةٍ افاضل منهم الأستاذ حسن البرقاوي والذي توفي له ولد اسمه يحيى فذهب والدي عنده في جلسة خاصة بعد العزاء ليقول له الأستاذ البرقاوي: (يا غالب أسميته يحيى ليحيا لكن يحيى مات)
اخبرني والدي ان الأستاذ البرقاوي قد اخذ جزءً من بيت شعر (مجهول صاحبه ) (وسميته يحيى ليحيا فلم يكن....لأمر قضاء الله في الناس من بدِّ).
كان والدي وهو قاضٍ أو مدعي عام كلما زار البرقاوي أو رأه صدفةً قبّل يده.
ومرض الأستاذ البرقاوي وكان والدي مقيماً عنده في المستشفى،الى أن كانت الليلة الاخيرة واشتدّ الالم عليه فمسك والدي بيده وقال : ردد معي يا استاذي فاخذ والدي يقول مقالة الامام علي والبرقاوي يردد ( سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري،سأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري، سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيءٍ أ مرُّ من الصبر).وقالها الاستاذ البرقاوي ونام وكانت هي النومة حيث توفاه الله بعدها بساعة.
اطلت في المقدمة بلا شك ولكن ليعلم القارئ سبب كتابتي عن استاذي في كلية الحقوق بالجامعة الأردنية الدكتور ناظم عارف (ناظم احمد عارف الجيوسي) أطال الله في عمره ومتّعه بموفور الصحة والعافية.
دخلت كلية الحقوق بالجامعة الأردنية سنة 1986 وكان من متطلبات الفصل الأول أن ندرس مادة المدخل الى علم القانون وكان يدرسها في حينه الدكتور ناظم عارف
الى هنا الامر عادي لكن اخذ الطلّاب الأقدم منّا يخوفوننا من الدكتور ناظم عارف وانه شديدٌ جداً وان قلّة من الطلاب ينجحون في مادته.
درست على يديه مادة المدخل الى علم القانون ونجحت بها( علامة متدنيّة )واذكر أن احد زملائي دعانا الى طعام الغداء لأنه كان قد نذر نذراً أن يعمل غداءً اذا نجح في مادة الدكتور ناظم عارف فاشكر الدكتور ناظم لاننا كسبنا نجاح زميلنا ودعوة الغداء.واذكر انني سألته سؤالاً احالني الى كتاب المحامي فاروق الكيلاني ( المحاكم الخاصة في الاردن)فجعلني اقرأ كتاباً كاملا من اجل اجابة سؤالٍ واحد
واحمد الله تعالى الى اليوم انني درست مادة المدخل على يديه لانني لا زلت احفظها وقد الممت بجميع علوم ومواد القانون من دراستي لمادة المدخل على يد استاذنا الفاضل الجليل وازعم انني نجحت في المحاماة والاستشارات القانونية لتذكري مادة المدخل حيث درسنا مادة دسمة وكان الدكتور ناظم يحضرنا الى الكلية يوم الخميس يوم العطلة حيث كنّا نعطل في حينه يومي الخميس والجمعة.وكنا نداوم يوم العطلة لسببين احدهما نهل العلم منه وثانيهما الخوف منه في حالة الغياب،،، نعم فقد كان شديداً جداً وحازماً صارماً كيف لا وقد كان اساتذة القانون في الكلية يخطبون ودّه ويلقون السلام عليه من بعيد بقولهم( صباح الخير أبو أحمد ).وانا وان كنت - وما زلت- اهابه الا أنني كنت فخورأ جداً ان شخصاً مثله يحمل درجة الدكتوراة في القانون المدني من جامعة السوربون اتتلمذ على يديه
في السنة الثالثة لي في الكلية كان هو مرشداً لطلاب السنة الثالثة وحصل تغيير على خطة الدراسة فطلبت مني دائرة القبول والتسجيل في الجامعة أن اراجع مشرفي وهو استاذنا الفاضل فقلت في قرارة نفسي (يا مصيبة المصيبة والله يستر) دخلت الى مكتبه وشرحت له ما حصل معي وان التسجيل يريدون توقيعه لي وكما توقعت لم يقل لي اجلس بل بقيت واقفا وهو يقلب الاوراق ثم اخرج سيجارة من علبته واذكر كان نوع دخانه (توب تونتي)اردني واخذ يدخّن ويقلب بالاوراق ووقعها واعطاني اياها دون أن ينطق بكلمة واحدة وعندما خرجت من مكتبه لاحظت انني اتصبب عرقاً.
بعد أن تخرجت كنت اصادفه واعرفه من سيارته المتواضعة (هوندا بيضاء) واسلم عليه بحرارة ،،، نعم دخان اردني وسيارة متواضعة لدكتورٍ خريج السوربون!!!
تمر السنون ويأتي معالي وزير العدل الاخ الكبير أبو اسامه (رياض الشكعة) ليرفد الجهاز القضائي الذي نجل ونحترم بخبرة اساتذة كلية الحقوق ومن ضمنهم بل ان لم يكن أولهم الدكتور ناظم عارف ليخدم قاضياً في محكمة التمييز واميناً عامّاً لوزارة العدل الى أن اصابه عارض صحي انتقل بعده ليكون مديراً لدائرة اشهار الذمة المالية.الى أن احال نفسه على التقاعد في السنة الماضية تقريباً.
قبل ما يقارب الثماني سنوات صادفته في رمضان ليلة القدر بالمسجد يصلي فانتظرته حتى خرج من المسجد محاولاً السلام عليه الا أن اولاده وبناته كانوا يحيطون به وهو يمشي وسطهم فبقيت ماشياً معهم مسافة لا بأس بها وفجأة نظر الي من معه مستغربين وجودي بينهم فقلت لهم اسمحوا لي أن اسلّم على استاذي وسلّمت عليه وعدت ادراجي راجعاّ الى بيتي ولم اره منذ ذلك الحين.
يوم امس استطعت أن احصل على رقم هاتفه الجوال واتصلت به للسلام عليه وللاطمئنان عن صحته
فاخبرني أنه بخير مع أنه متعبٌ قليلاً ودار حديث بيننا ذو شجون وشكرني على الوفاء بعد أن شكرته على استقبال مكالمتي رغم ظرفه الصحي واخبرته أن محبتي له لا زالت في قلبي وأن علمه لا زال في عقلي.
اكتفي بهذا القدر وأقول أطال الله بعمر استاذنا الفاضل الدكتور ناظم عارف سائلاّ الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيه وأن يعافيه ويمتعه بموفور الصحة والعافية.