غيرترود بيل الخاتون التي عشقت الصحراء
أمل محي الدين الكردي
22-05-2019 05:25 PM
مواليد 14 يوليو 1868 باحثة ومسكتشفة
من رسائلها( لن أحاول بعد هذا صنع ملوك: أنه أمر متعب للغاية )الى والدها من العراق .
يحفظ لنا التاريخ أسماء معدودة لنساء شهيرات برزن في ميادين مختلفة وهذه الميدان الذي نكتب عنه يبرز منه عادة الرجال . ومن هؤلاء GERTRUDE BELL التي نشأت في عائلة أستقراطية ثرية وتخرجت من أكسفورد لتقضي حياتها الاؤلى في تسلق الجبال وتجول حول العالم وتقوم بالحفريات وتتجول في فلسطين وسوريا وشرق الاردن وصحاريها وتصل الى حائل عاصمة الرشيد وتقضي ساعات طويلة على ظهر الجمال وتنام في العراء أحياناً وتأكل مع البدو وتتعرض للخطر يومياً ولها عدة القاب منها ام المؤمنين وعرفت بالعراق بلقب الخاتون ..حلت الحرب العالمية الاؤلى وركزت أنظار بريطانيا على الشرق العربي حتى كانت هذه السيدة الأمثل في خدمة قواتها فهي تتقن لهجات القبائل وتعرف الطرق وتحتفظ بالخرائط التي رسمتها بنفسها لكل مكان مجهول في المنطقة التي تجولت بها .
عندما نشبت الحرب العالمية الاؤلى بدأ فصل جديد من حياة جرترود الرحالة المغامرة التي أصبحت من العاملين في السياسة وقد استغلت الحكومة البريطانية معرفتها في الشرق العربي ومصدرنا هو رسائلها وكتبها التي كتبتها لعائلتها وأصدقائها وقد نشرت زوجة والدها التي كانت مقام والدتها أول مجموعة من رسائلها عام 1927 م في جزئين وبعد عشرة سنوات نشرت شقيقتها مجموعة أخرى ومن الملاحظات على المجموعتيين انهما لم تنشر كاملة بل حذفتا منها حتى لا يحدث لهم احراج في بعض الامور حتى جاءت اليزابيت بيرجوين نشرت مجموعة ثالثة من الرسائل عام 1958م كتبتها جرترود بل بين عامين 1889-1914 م وأتبعتها مجموعة أخرى تكمل بها قصة حياتها حتى سنة وفاتها عام 1926 م .والمجتمع العربي الذي تصفه في رسائلها وخاصة الاخيرة بأنه مجتمع استقراطي كمجتمعنا الانجليزي الذي نشأت به ففيه الكثير من السياسيين والاحزاب وشيوخ القبائل والمؤامرات السياسية والقليل جداً عن الزراعة وتبدو الكاتبة في رسائلها بارعة وذات اسلوب رغم كثرة أخطائها الأملائية وهذه الرسائل حافلة بالاشارة الى أسماء عشائر ومواقع لا يمكن أن يعرفها الا المطلع .
وفي الجزءالاخير من رسائلها كانت صفحاته تتسم بوشاح الحزن على الرغم من انه مجموعة اخرى تعبر عن متعة الحياة ويبدو للقارىء او المحلل انها لم تستطيع رغم كل شيء أن تنسى حبيبها الذي قتل حتى انها قبل وفاتها بزمن قصير كتبت بما فيه على أن قلبها قد فاض (انني لأحس احساساً يبلغ درجة اليقين بانه موجود في مكان ما وبانه في حاجة لي).
علماً بأن حبها الاول هو السكرتير الاول في السفارة البريطانية وأسمه هنري كادوجان وخطبها ولكن أهلها ترددوا في القبول الذي وافاه الاجل بعد أشهر معدودة أما حبها الكبير فقد كان للعسكري برتبة مقدم اسمه DOUGHTY-WYLIE الذي فقد حياته في معركة غليبولي في نيسان 1915 م وهكذا كتب لجرترود أن تهب نفسها العنوسة .بدأت انظارها تتجه الى الشرق العربي بعد أن قرأت الف ليلة وليلة فعشقتها وزارت اسطنبول فآعجبت بمأذنها .وطافت العالم قبل أن تقوم برحلتها الجريئة عبر صحراء النفوذ بحائل وفي ديسمبر 1899 استقر بها المقام في القدس وبدأت تدرس اللغة العربية وفي19 مارس 1900م قامت بأول رحلة لها عبر الصحراء مروراً بأريحا ثم توغلت في صحراء الاردن وتعرفت على عشائر بني صخر والعدوان وزارت الكرك وهي في رحلتها تعيش مع البدو أياماً وتسهر معهم في لياليهم وتضع يدها معهم في إناء واحد ورغم تشديدات الحكومة العثمانية لبست الزي العربي بالكوفية والعقال وقامت بجولة في جبل الدروز ,حيث عقدت صداقات مع رؤسائه ثم اتجهت لدمشق ومن هناك اشترت لشقيقتها الصغرى ثياب فتاه درزية واستهوتها عاصمة زنوبيا فقامت برحلة الى الشام وتدمر .وتركت سوريا ولبنان وعادت الى انجلترا .
وكتبت لوالدها من بلاد الشام تقول (إن المرء اذا عرف هذا البلاد لا يطيق فراقها)وكتبت الى قريبة لها في انجلترا:"يا الله ما أجمل هذه البلاد! ليتني أقضي حياتي كلها متنقلة بين ربوعها ". ولم تطيق جرترود بعدا عن الشرق العربي فعادت اليه في ربيع عام 1902م وحلت في حيفا وأقبلت على دروس اللغة العربية وعادت الى بريطانيا تلقي محاضرات موضحة بالصور عن الشرق العربي .وفي آواخر يناير (كانون الثاني) عام 1905م وصلت الى بيروت وبعد بضعة ايام كانت في حيفا ومنها أتجهت الى نابلس والقدس والسلط ثم زارت أصدقائها في جبل الدروز ومرت بدمشق فحمص وحلب فأسيا الصغرى وفيقونية قابلت وليم رامز وشاركته في بعض اعمال الحفر وعادت الى انجلترا لتكتب كتابها سوريا الصحراء والارض الزراعية كما صدر لها كتاب الف كنيسة وكنيسة مع وليم رامز .وعادت الى الشرق العربي فكانت في حلب عام 1909م ثم في دمشق عام 1911 ومنها تسافر الى كركميش ثم تقوم بزيارة قصر الاخيضر الاثري وهو في رأيها أثر من آثار اللخميين وقد كتبت عنه في كتابها الجميل (الاخيضر) الذي نشر عام 1914 ومن هناك زارت كربلاء والنجف وآثار بابل والمدائن وبغداد والموصل فكركميش ثم حلب وفي كركميش قابلت لورنس وفي يونيو 1911 كانت في انجلترا وتنقطع اخبارها الى تشرين الثاني عام 1913م فاذا هي في دمشق تعد العدة وتجهز 17 جملاً لاختراق الصحراء العربية متجهة الى حائل وتصف لنا في رسائلها انها متعبة ومرهقة وقد رسمت لرحلتها خرائط تفصيلية تبين أماكن الماء وجمعت معلومات عن القبائل ومصدرنا الوحيد عن الرحلة هو رسائلها إن الدراسة المتأنية لها تكشف عن تناقض في شخصيتها فهي تؤمن اليوم بغير ما أمنت به بألامس ومن أمثلة ذلك كانت تعارض عن قيام حكومة عربية في العراق غير خاضعة لأوامر وايتهول خضوعاً مباشراً ولما أثبتت لها ثورة العراقيين ان وجهة نظرهم غير قابلة للتطبيق تبنت بحماسة قيام دولة عربية على رأسها فيصل الاول ملكاً على العراق مرتبطة مع بريطانيا بمعاهدة لا انتداب وقد عملت جاهدة الى أن تحقق هذا الحلم ونجحت فكرتها. ومن مظاهر تناقضها مع نفسها ما تفيض به رسائلها من حب للعرب وتقدير لهم ى:فهي تؤمن بالخلق العربي فتقول "أقسم بشرفي ان العرب قوم صدق في طبعهم ونحن نفتقر الى هذه الصفة " وهي تؤمن بالذكاء العربي وتنادي بأن العرب قادرون على بناء دولة حديثة متحدة وتعارض تقطيع أوصال العالم العربي ومع هذا تكره الشباب العربي المثقف وتحاربهم بالسر والعلانية :وقد رصدت عليهم حركاتهم بأقامتها جهازاً للتجسس رهيباً وبهذا زرعت الحقد في النفوس .
وكانت جرترود بل معجبة ب ونستون تشرشل وخاصة بعد مؤتمر القاهرة فهو في رأيها "رائع ومستعد للتفاهم ومناقشة الآراء المعارضة وهو لبق في ادارة المؤتمرات السياسية كبيرها وصغيرها" ولما سقطت الحكومة الائتلافية عام 1922م وساءت علاقتها به قالت عنه يا لها كم أكره العمل تحت رئاسته ولا انكر بأنه بالغ الذكاء ولكنك لا تستطيع أن تثق به فأنت لا تدري متى يتخلى عنك ويتنكر لك"
وحال سير ارنولد ويلسون معها كحال تشرشل . والذي لا شك فيه انها امرأة ذات شجاعة فائقة وحياتها تثبت ذلك ومن أقوالها "لا شيء يجعل للحياة معنى كالجرأة وحب المخاطر".
ومن الثابت ان جرترود كانت خبيرة بشؤون القبائل العربية في العراق وبلاد الشام وشرق الاردن والنفود"فقد عشت في وسط بيت العنكبوت وعرفت كل خيط فيه". ووصفت بأنها أنيقة دوماً ولها أناقة خاصة وملابسها كانت تعبر عن شذوذ صاحبتها .ومن شذوذها انها أقبلت ممتطية حصانها بأقصى سرعة والملك فيصل على المنصة في الميدان مستعداً للألقاءخطبته بعد انتخابه ملكاً ثم وقفت بجانبه ؟!وكانت في استقباله عندما وصل الامير الى البصرة ورضيت عن نفسها عندما قالت لقد أقمنا في بلاد ما بين النهرين دولة حديثة ومتقدمة بحيث لم يكن هناك عربي في سوريا وفلسطين لا يتمنى أن تكون بلاده جزء منها , لقد أدت دورها على أكمل وجه ولعبت دورأ بالغاً في مستقبل العراق ولكن النكسة دوماً مؤلمة فقد كانت في أخر أيامها تحس بكراهية الحياة وبسوداوية فقالت قبل وفاتها بأيام :اني لم اعد اجد لذة في الحياة توفيت في12 يوليو عام 1926 م بسبب تناولها جرعة زائدة من الدواء ولم يعرف ان كانت قصدت الانتحار ام لا ,وشيعت تشييعاً مهيباً شارك به الملك فيصل الاول ودفنت في مقبرة الانجليز في باب المعظم وسط بغداد .ولعل هذه العبارة من رسالة قد ارسلها تي .اي لورنس الى والدها عام 1927 تلخص حياة عاشقة الصحراء المغامرة يقول لورنس (..انا على يقين من انها ماتت سعيدة ,ناعمة البال, راضية عن نفسها ,لأنها أنجزت مهمتها السياسية التي أنيطت بها على أحسن وجه وهي مهمة من أخطر المهام التي وكلت الى امرأة لقد أنتهى دورها التاريخي كما انتهى دوري من قبل ). هذا بعض ما دونه التاريخ المكتوب عن عاشقة الصحراء والخاتون وأم المؤمنيين ولكن ما سر هذه الانسانة وما أخفت في فكرها وجعبتها ومشاعرها ؟هذا ما نريد أن نستقرئه من هذه الاحداث .
وحال سير ارنولد ويلسون معها كحال تشرشل . والذي لا شك فيه انها امرأة ذات شجاعة فائقة وحياتها تثبت ذلك ومن أقوالها "لا شيء يجعل للحياة معنى كالجرأة وحب المخاطر".
ومن الثابت ان جرترود كانت خبيرة بشؤون القبائل العربية في العراق وبلاد الشام وشرق الاردن والنفود"فقد عشت في وسط بيت العنكبوت وعرفت كل خيط فيه". ووصفت بأنها أنيقة دوماً ولها أناقة خاصة وملابسها كانت تعبر عن شذوذ صاحبتها .ومن شذوذها انها أقبلت ممتطية حصانها بأقصى سرعة والملك فيصل على المنصة في الميدان مستعداً للألقاءخطبته بعد انتخابه ملكاً ثم وقفت بجانبه ؟!وكانت في استقباله عندما وصل الامير الى البصرة ورضيت عن نفسها عندما قالت لقد أقمنا في بلاد ما بين النهرين دولة حديثة ومتقدمة بحيث لم يكن هناك عربي في سوريا وفلسطين لا يتمنى أن تكون بلاده جزء منها , لقد أدت دورها على أكمل وجه ولعبت دورأ بالغاً في مستقبل العراق ولكن النكسة دوماً مؤلمة فقد كانت في أخر أيامها تحس بكراهية الحياة وبسوداوية فقالت قبل وفاتها بأيام :اني لم اعد اجد لذة في الحياة توفيت في12 يوليو عام 1926 م بسبب تناولها جرعة زائدة من الدواء ولم يعرف ان كانت قصدت الانتحار ام لا ,وشيعت تشييعاً مهيباً شارك به الملك فيصل الاول ودفنت في مقبرة الانجليز في باب المعظم وسط بغداد .ولعل هذه العبارة من رسالة قد ارسلها تي .اي لورنس الى والدها عام 1927 تلخص حياة عاشقة الصحراء المغامرة يقول لورنس (..انا على يقين من انها ماتت سعيدة ,ناعمة البال, راضية عن نفسها ,لأنها أنجزت مهمتها السياسية التي أنيطت بها على أحسن وجه وهي مهمة من أخطر المهام التي وكلت الى امرأة لقد أنتهى دورها التاريخي كما انتهى دوري من قبل ). هذا بعض ما دونه التاريخ المكتوب عن عاشقة الصحراء والخاتون وأم المؤمنيين ولكن ما سر هذه الانسانة وما أخفت في فكرها وجعبتها ومشاعرها ؟هذا ما نريد أن نستقرئه من هذه الاحداث .