حيتان كبيرة .. وأسماك صغيرة،
ماهر ابو طير
30-09-2009 05:55 AM
وفقا للارقام الرسمية فان ودائع الاردنيين في المصارف الاردنية وصلت الى تسعة عشر مليار دينار ومئات الملايين ، ومع هذا يغشى الجمود الاقتصادي البلد ، ولا يتم تسييل اي مبالغ ، من هذه المبالغ المجمدة ، التي تشغلها المصارف ، وتوزع ارباحها على مالكي الاسهم العرب الذين يسيطرون على مايزيد عن نصف اسهم المصارف الاردنية ، فنصبح نحن في بلدنا "شغيلة" عند العرب،،.
مع هذه المليارات ، هناك نوعان اخران من المليارات ، احدهما للاردنيين في الخارج ، من الاثرياء الذين يعرف الجميع انهم اثرياء ، فيتم ايداع ثرواتهم وهي كبيرة جدا وبالمليارات ، في مصارف الخليج واوروبا وامريكا وسويسرا ، فيما الصنف الثاني هو لاثرياء يخفون ثرواتهم بعيدا عن أعين بلادهم وشعوبهم ، بعد ان جمعوا ثرواتهم بطريقة مشبوهة عبر السمسرة والعمولات والصفقات ، فكدسوا مليارات قد لا تعد في مصارف بعيدة وفي حسابات سرية ، لا يعرف عنها كثيرون.
كل هذه الثروات ، والبلد تحت اثقال الفقر الشديد ، وتوقف المشاريع ، والعصب العام المنهك جدا ، ينتظر الفرج على يد الغيب ، وبعضنا يغضب من الدول العربية ، لانها لم تعد تدفع ، برغم انها دفعت طوال عمرها ، في ظلال مشهد يشي بعام صعب ، وعام اصعب مقبل على الطريق ، مما يجعلنا امام الاسئلة حول ضرورة كسر انجماد الارصدة في المصارف الاردنية ، وبث الروح المعنوية لاقناع الناس في البلد بالانفاق من اموالهم ، بدلا من حالة الذعر الشديد التي انتابت الجميع ، ومن كان يريد بناء شقة توقف ، ومن كان يريد تشجير مزرعة تراجع ، ومن كان يريد افتتاح محل تجاري ، شطب الفكرة ، دون ان يحاول احد وقف موجة الذعر.
الادارة الامريكية ضغطت على سويسرا بكل الطرق ، لكشف اسرار حسابات خمسة وخمسين الف امريكي يودعون اموالهم في سويسرا للتهرب من دفع الضرائب ، وتم رفع دعاوى قضائية لكشف هذه المعلومات.نحن بدورنا نعرف ان هناك حيتانا كبيرة لديها عشرات المليارات في الخارج تم جمعها بطرق غير نظيفة ، فلا يسألها احد ، ولا تطبق معايير دولية حول الشفافية ومحاربة الفساد تجاهها ، وتجمد قوانين هامة كقانون "من اين لك هذا" فتصبح علاقة هؤلاء مع البلد علاقة سفر وترحال بأعتبارها مزرعة يتم جني ثمرها بوسائل مختلفة ، وترك من فيها جوعى ، ولو دققنا النظر لاكتشفنا ، ان هؤلاء من اصحاب "الحسابات السرية" لدينا لم يجنوا اموالهم لولا مواقعهم ، ولولا دخولهم على خط شفط دم البلد واهله.
بين الحيتان الكبيرة التي جمعت مالا حراما وأودعته في حسابات سرية خارج الاردن ، واولئك الذين تعبوا بالحلال في جمع ثرواتهم لكنهم اودعوها ايضا خارج الاردن ، واولئك الذين جمدوا معا تسعة عشر مليار دينار فلم ينفقوا منها خوفا وذعرا ، تتجلى احد مشاهد مشكلة الاردن الاقتصادية ، التي يمكن حلها لو تم رفع مستوى الثقة والطمأنينة ، ولو تم تطبيق معايير محاربة الفساد على اخرين.
الحيتان الكبيرة.. لم تترك سمكا صغيرا في البحيرة ، ولا سردينا ، الا وابتعلته ، ثم يسألونك ببلاهة عن سر وضعنا الاقتصادي.
mtair@addustour.com.jo
عن الدستور