الرزاز يقود الحراك: الاستثمار في القدرة
د.مهند مبيضين
22-05-2019 01:38 AM
أسباب كثيرة قد تجعل الحراك الشعبي اليوم في أضعف حالاته، لكن هذا لا يعني أنه ليس مرشحاً للعودة، وذلك لا يكون إلا بسبب أخطاء لدى السلطة التنفيذية، أو نتيجة لأزمة داخلية محليّة، تُحدث فرقاً في الشارع وتؤدي إلى الانحراف الجماهيري الحاد، وقد يكون هناك اكتشاف جديد للقدرة الاجتماعية عند الجمهور فيحدث التكاتف والتضامن في مسائل وقضايا محددة تحدث تضامناً عاماً مع فرد أو جماعة فيحدث التحشيد وتعود الجماهير إلى المجال العام بصيغ عديدة.
القدرة الاجتماعية للحراك هي اليوم في اضعف ما تكون، ثمة عوامل كثيرة أسهمت في ذلك، قبيل الدخول الفعلي في فصل الصيف، وقبيل شهر رمضان الذي كان هناك تعويل كبير عليه، كي تعاد صورة الاحتجاجات الشعبية التي حدثت في رمضان الفائت، لكن ذلك لم يحدث فما هو السبب؟
كانت هبة أيار 2018 مختلفة، حرّكها اضراب النقابات يومئذٍ، ولحق بها قرارات حكومية تتعلق برفع اسعار الوقود، والتي اعتبرت قرارات بدون حسابات دقيقة للتوقيت، وكل ذلك حدث بتوافق عام على وجوب رحيل الحكومة، مع حملة تمويل واسعة للتجمهر من قبل جماعات ضغط وادارة اعتقاد تشكلت، وأردات ان تضغط على حكومة الملقي؛ لأن قانون الضريبة كان يُمكن ان يلحق بها الضرر.
الأغلبية المقهورة أو هكذا صوّرت نفسها، انتجت آنذاك حالة احتجاجية عنوانها تململ الشباب، يومها كانت حركة ولي العهد لافتة بالدعوة لحماية الشباب، الذين تحركوا بشكل جماعات مختارة لتموضعها المهني، من شباب البنوك والشركات والنقابات، وفي الأثناء كان سلوك الجماعة آنذاك غير متأثر بمقولات المُلكية، او حق التوظيف أو خط الفقر.
برغم هذا حدث ما حدث، وجاءت حكومة الرزاز، التي خلفت حكومة الملقي، والتي ما زالت هواجسها مشغولة ومعنية بشكل كبير، كي لا تتظافر قوة الاحتجاج الشعبي، او تأخذ شكلاً منظماً بصيغة كتلة حرجة، تضطر إلى مواجهتها، وقد سعت الحكومة إلى التهدئة وما زالت في ذات السياق بالتعامل مع الحراك ملتزمة بالعقلانية وعدم العنف، وشخصية الرئيس لعبت دوراً كبيراً في حدوث التهدئة، أو الابقاء على أمل التغيير، كما أن صدقية النية عنده لضرب الفساد بات الناس يحسون أنها موجودة برغم كل الداوئر التي تحاول تعطيل ذلك المسعى.
في المقابل يدور في القرى والاطراف حديث ممزوج بالملل واليأس من حدوث التغيير. فهناك بُنية صلبة للدولة برأيهم، كما أن للفساد في المقابل بُنية حلقية متشابكة، وعلى الحكومات أن تسعى لأن تطبق القانون بصرامة وعدالة، فالحكومة التي تفقه وجودها على حقيقته، لا بدّ أن تنشد ممارسة السلطة بعقلانية وحزم، وأن تسعى إلى تكييف النظام مع تغير الأحوال وتجدد الاحتياجات الجماهيرية، وهنا فإن سعي الحكومة للرقابة على سلامة الالتزام بمعايير أداء جيدة في تقديم الخدمة العامة هو أمر هام جداً في محاولة استعادة الثقة بأن هناك حسابا ما يتم للمخطئين والمتعثرين.
لكن أيضاً لجوء بعض المؤسسات المستقلة، وبعض النواب وبعض الوجهاء لتحقيق مكاسب لخواصهم وتعيينهم في وظائف خارج سياق المساواة في الفرص، فهذا أمر يقوّض أي جهد اصلاحي.
ختاماً زيارة د. عمر الزراز لدائرة الأراضي ، مهمة لكن أيضاً هناك داوئر أخرى تحتاج لعودته سراً أو بمن ينوب عنه من اجهزة الرقابة، فثمة اهمال واستخدام لاجهزة الحاسوب للعب الشدة والالعاب الالكترونية، وإن كان هذا غير وارد على بعض الاجهزة فان الموظف مشغول بهاتفه ويلعب عليه ويهدر وقت الناس معه بالانتظار. وهناك رشوة وتخلٍّ عن الدور المطلوب من الموظف، لكن هناك أيضا اناس مثابرون وناجحون وداوئر متميزة مثل الترخيص وغيرها، وفي كل هذا فإن الرزاز يقود حراك استعادة القطاع العام لمهنيّته ودوره الخدمي، متوجاً بجدية أكبر في إحداث المساواة مع الاستثمار بالقدرة الاخلاقية له، وقدرة الدولة في تطبيق القانون.
الدستور