الرشاوى في كل مكان أيتها الحكومة
ماهر ابو طير
22-05-2019 01:24 AM
علينا أن نتحدث بصراحة، اليوم، عن تفشي الرشوة، بمؤسسات كثيرة، بدلا من هذا الإنكار، والتباهي بكون الموظف العام لدينا لا يقبل الرشوة، مقارنة بدول عربية.
كان هذا سابقا، إذ لم يكن الموظف العام يقبل أي رشوة، لكن رئيس هيئة مكافحة الفساد السابق، محمد العلاف، كشف وبكل جرأة، عن تفشي الرشوة الصغيرة، قائلا إن التركيز اليوم لا بد أن يكون على الفساد الأصغر، الرشوة، التي تتم لقاء تقديم الخدمة العامة، وأن الهيئة حددت عشرين قطاعا يمارس فيها الفساد الأصغر وذلك من أجل معالجته ومكافحته .
غادر العلاف موقعه، واليوم هناك مهند حجازي الرئيس الجديد، وجهده مع فريقه، مقدر عاليا، لكن عليه واجب مهم، وهو واجب يقع على عاتق الجميع، بما فيها الحكومة، ومدراء المؤسسات الخدمية والمالية، إضافة للناس الذين لا يبلغون عن قضايا الرشوة، بل يدفعونها لتجنب المشاكل.
رئيس الوزراء زار دائرة أراضي غرب عمان، متفقدا الخدمات، وما هو أهم منها التنبه إلى ممارسات بعض مقدري الأراضي، وليس كلهم، ولنقل فئة قليلة جدا من المقدرين، وإذا ما كانوا يحصلون على رشاوى مالية من أجل خفض أرقام التخمينات المالية؟.
الأمر يمتد إلى عيديات بعض موظفي أمانة عمان، ممن يجولون على المحلات التجارية بأنواعها المختلفة، خلال رمضان، وبعده، وتدفع لهم المحلات، بركة يدهم، من أجل تجنب الشر والشرور، وبعضهم يعرقل المعاملات، بشكل متعمد، من أجل الدفع سرا، ومرة أخرى، نقول إن هؤلاء قلة قليلة جدا، ولا يمثلون الأمانة، التي فيها كثيرون ممن يخافون الله حقا، قبل القانون.
من هناك نذهب إلى بعض العاملين بمجال ضريبة الدخل، وإذا ما كان بعضهم يحصلون على رشاوى مالية لخفض الضرائب، أو تغيير الأرقام، ثم نذهب للبلديات، وما يجري في بعضها، على ذات النسق، ونكرر مجددا، أن هذا أمر ينطبق على قلة قليلة، ولا يجوز سحبه على غالبية الموظفين الشرفاء.
نذهب، أيضا، إلى بعض مفتشي الغذاء والدواء، ونسأل عن قلة قليلة جدا منهم، إذا ما كانوا يضعون أصحاب المطاعم أمام خياري دفع رشوة، أو تكبد غرامة مالية انتقامية، تحت أي حجة، وهي غرامات أهلكت قطاع المطاعم، ولنسأل ألفاً أو ألفين من أصحاب المطاعم عن هذه القصص؟!.
أخيرا نصل الجمارك ونسأل إذا ما كان بعض مفتشيها، وعددهم قليل جدا، يأخذون هذا النوع من الإكراميات أو الرشى، مقابل التعامي عن المخالفات، في محل يستورد ويبيع سلعا مهربة من السجائر إلى غيرها، من سلع مرت عبر الحدود؟.
الكارثة الأكبر أن الناس كانت سابقا تبحث عن واسطة، في كل هذه القطاعات، واليوم لم يعودوا يبحثون عن واسطة، بل عن موظف يتم دفع المال له، مقابل خدمة مالية، أو كف الشر، فيما الوجه الآخر للكارثة، أن المواطنين لا يثقون بالدولة، ولا يشتكون، ويفضلون دفع الرشوة، من أجل حل مشاكلهم، أو خفض مطالباتهم المالية، أو صد التسلط أو الشر.
هل تستطيع مكافحة الفساد أن تعود إلى مئات الأسماء التي تقاعدت من بعض القطاعات التي تحدث عنها العلاف سابقا، وتجري تحليلا ورصدا لثرواتهم وأموالهم التي ظهرت بعد التقاعد، ومن أين جاءت، وإذا ما كانت نتاجا لتحويشة العمر، عبر هكذا تصرفات، وهل تستطيع الهيئة التنبه إلى السجل المالي لموظفين بمؤسسات كثيرة، سياراتهم أو سيارات زوجاتهم، أو شققهم أو شقق زوجاتهم، أو ممتلكاتهم التي لا تعبر أساسا عن مجموع رواتبهم، ولا حتى مع أرباحها وفوائدها؟!.
نريد أن نعترف اليوم، أن مشكلة الرشوة في الأردن، باتت مركبة، هناك المرتشي الذي أدمن على المال الحرام، بذريعة أن راتبه لا يكفيه، فوق جرأته على مال الناس، ومعرفته أنهم يريدون تجنب دفع مبالغ كبيرة، عبر دفع رشى أصغر، وهناك الراشي الذي بات يعتبر الرشوة، جزءا من عمله التجاري، وبدونها سوف يتكبد مبالغ أكبر، أو يقوم الموظف بالتسبب بأذى له، بوسائل مختلفة، أقلها البلطجة.
نسأل الدولة بكل مؤسساتها، هل تعرفون ماذا يجري؟ وماذا ستفعلون لوقف هذه الظاهرة السيئة جدا؟ وكيف يمكن وضع حد لكل هذا الذي نراه؟
الغد