السيدة هند والالتزامات المتعثرة
د. جواد العناني
21-05-2019 06:35 PM
أثارت قصة توقیف السیدة ھند الفایز موجة من الاحتجاجات ما سمي بالتصیّد الذي مورس ضدھا، واختیار یوم الخمیس لتنفیذ ذلك، مع تعطل جھاز الكمبیوتر الذي یحدد المبالغ المطلوبة منھا. وبذلك صار الھدف واضحاً وھو إرسال رسالة لھا بأن تمسك علیھا لسانھا، ولكي تكون عبرة للآخرین.
ومھما احتج أھلھا من آل الفایز الكرام، أو تضافرت معھا العشائر والقبائل، واصطف خلفھا اللیبرالیون والمعارضون، فإن ھذا لن یعوضھا نفسیاً عن الألم الذي عانتھ في إلقاء القبض علیھا، وفي اعتقالھا حتى سددت الفاتورة التي علیھا.
وقد قال كثیر من الناس كلمتھم في الذي جرى، وأنا من المتألمین لكل الحادثة. ولكنني في ھذا المقال سأعرج على بعض الاقتراحات التي تساھم في تخفیف التوتر والضغط الھائل الذي یشعر بھ المواطن العادي في أعوام الرمادة التي مررنا بھا وما نزال رغم بعض المؤشرات الإیجابیة التي تلمع في الافق.
كیف یجوز للحكومة أن ترھن جمیع عقارات المدین مقابل دین لا یشكل إلا جزءاً من قیمة الضمانات المرھونة؟ فالسیدة ھند الفایز كما أخبرتني في لقاء جمعنا قبل توقیفھا بأیام ان مجموع الدیون التي علیھا تبلغ كذا ألفاً (اقل من خمسة عشر الفاً) مقابل حجز الجھات الدائنة (الحكومة في ھذه الحالة) أرصدة وأراضي تملكھا أو ورثتھا عن أھلھا تتجاوز (3 (ملیون دینار؟ ھل ھذه اللاتماثلیة بین حجم الدین وحجم المرھون معقولة؟ أم أنھا ممارسة أقرب إلى الربا الممنوع قانوناً والمحرم شرعاً؟
وكالعادة، فإن ممانعة السیدة ھند من الدفع قد تكون نابعة من شعورھا بالظلم، وأن قصتھا یجب أن تذھب للقضاء. ولكن لماذا لم تقم الحكومة باقتطاع أرض أو رصید لھا وعرضھ بالمزاد العلني والسداد كما تفعل في كثیر من الأحیان؟
وأذكر أن قضیة الغارمات في الاردن قد نالت اھتمام جلالة الملك، وساھم جلالتھ ھو وأھل الخیر في الاردن في دفع الأموال المطلوبة عنھن. والسیدة ھند لیست فقیرة، ولا غارمة بالمعنى الذي نال اھتمام الملك عبدالله الثاني، ولكن قصة الحجز على أموال أضعاف أضعاف قیمة المطالبة أو القرض لا یجوز أن یبقى كما ھو، بل یجب ألا تزید قیمة المحتجز من الرھن والكفالات عن 150 %من قیمة الدین. وھذا ربما یخفف عن آلاف الغارمین في الاردن.
والنقطة المتعلقة بھذا الأمر ھي أن مجرد تقدیم شكوى أو ادعاء بالدین یؤدي إلى المطالبة بالمدین مما یدفعھ للاحتجاب عن الناس أو البقاء داخل الاردن كي لا یمنع من السفر. ولا یجوز وضع المطالبة بشكل اوتوماتیكي بمجرد تقدیم الشكوى، ولكن بعد التحقق من صحتھا بالأوراق الثبوتیة.
ولا یجوز أن ننحاز فوراً لصاحب العین المخلوعة، فقد یكون غریمھ قد فقد عینیھ الاثنتین.
أما النقطة الأخرى ذات العلاقة، والتي تحیرني ولا بد أن أثیرھا فھي المتعلقة بالضمانات العقاریة التي تأخذھا البنوك من الدائنین مقابل قرض ما. فالذي یشتري شقة بمائة الف دینار لا بد لھ أن یقدم للبنك ضمانات عقاریة بقیمة 150 الف دینار حسب تقدیرات البنك، والبنك لا یعطي كامل القرض بل من 70-80 %من القیمة. وبمعنى آخر، فإن البنك سیقدم للمدین حوالي 70 الف دینار لیشتري الشقة.
ومتى ما انتھت مدة التأجیل وعجز المدین عن السداد، تعرض الشقة للبیع، وعادة ما تخسر حوالي نصف قیمتھا، فیأخذ البنك خمسین الف دینار، ویستمر بمطالبة المدین بسداد الرصید الباقي من القرض.
كیف یجوز ھذا؟ البنك ھو الذي یقدر قیمة الرھن ویقلل من تلك القیمة بنسبة لا تقل عن 30%، ومن ثم یقوم بمنح قرض یساوي على الأكثر 80 %من القیمة المقدرة للعقار. وھذا یعني أن البنك قد اخذ كل الاحتیاطات المطلوبة. فلماذا یطالب بباقي القرض عند بیع الرھن بأي قیمة؟
لقد فتح ھذا الباب عبر السنوات الماضیة كثیراً من القصص المأساویة لأناس فقدوا بیوتھم واراضیھم بأبخس الأثمان. ولو أن البنك یعلم أن كل ما سیحصلھ من رصید القرض ھو المبلغ الذي سیحصل علیھ من الفائز بالمزاد العلني على العقار المرھون، لكان البنك أكثر حرصاً على استیفاء اكبر مبلغ ممكن. وإذا حصل على مبلغ أكبر من صافي رصید القرض، فعلى البنك أن یعید ذلك المبلغ للمدین.
الحكومة اتخذت اجراءات للتخفیف عن الناس في مجال العقار. آن الأوان أن تنتبھ إلى قصص الغارمین الذین تنشر أسماؤھم بالمئات كل یوم على عدد من صفحات كل جرائدنا المحلیة، وأن تبعث رسالة طمأنة لھم حتى یستریح السوق المنكوب بنقص السیولة والعسرة المالیة.
الغد