مجلس النواب وضبط إيقاع الحكومة!
د.طلال طلب الشرفات
21-05-2019 05:38 PM
في التوظيف السياسي للعلاقة بين الشعب، والحكومة يبرز دور مجلس النواب كأكثر الأدوات فعالية في ضبط سلوك الحكومة وإيقاع عملها، والحكومات –أي حكومة– لا يضيرها كثيراً الاحتجاجات الشعبية ما دامت تحت السيطرة، ولكن يرعبها تقديم مذكرة لحجب الثقة حتى لو كانت مطمئنة لإمكانية تجاوز اختبار الثقة، والسبب أن الإجراءات العملية هي التي تقلق الحكومات أما الاعتصامات، أو الإعلام إن لم يرافقه احتجاجات تخرج عن السيطرة فلا يقض مضجع الحكومات ولا تلقي له بالاً.
رئيس مجلس النواب أظهر نضجاً غير مسبوق واستقلالاً يثير الإعجاب وانحيازاً لقضايا الناس بعيداً عن أمنيات الحكومة وآمالها في الفترة الأخيرة، ووجه رسائل مشفرة، ومعلنة للحكومة أن التوازن بين السلطات، واحترام صلاحياتها الدستورية هو أمر محرم لا يجوز للحكومة الاقتراب منه، أو العبث فيه، وأن الإسناد الكامل لمواقف جلالة الملك الداخلية، والخارجية لا يعني البتة عدم مساءلة الحكومة، وضبط سلوكها عندما ينفلت من عقال المصلحة الوطنية العليا، وثوابت الدولة الأردنية.
اللجنة المالية في مجلس النواب برئيسها المحترف، الشجاع سطّرت مثالاً رائعاً للرقابة البرلمانية على المال العام، وفحصت بنود الموازنة بحرفية، ومهنية عالية قبل إقرارها، وتابعت بدقة المخالفات المالية التي وردت في تقرير ديوان المحاسبة، ووجهت الحكومة لمعالجتها، وتحويل بعضها للقضاء وبمتابعة حثيثة، وحرص أكيد، وتجاوب معقول من الحكومة في هذا الإطار، وكذلك في متابعتها الحالية لملف "فلس الريف" في وزارة الطاقة، والمخالفات الناشئة عن قرار سابق لمجلس الوزراء بجواز منح مكافآت لموظفين وبطريقة تستوجب المسؤولية في ضبط هدر المال العام، والمساءلة والاسترداد لما تم صرفه دون أساس قانوني وبشكل خالف قانون الموازنة العامة للدولة.
مجلس النواب ورغم كل الملاحظات حول أدائه في العامين الأولين من عمر المجلس يشهد نهوضاً حقيقياً في إيجابية الأداء وبشكل يستدعي مساندة المجلس واحترام دوره من قبل الحكومة، والنخب على حدٍ سواء، وتفعيل دور اللجان النيابية، ورصد مدى نجاح التعديلات الأخيرة في النظام الداخلي لمجلس النواب وانعكاساتها على أداء المجلس من حيث دمج بعض اللجان، وضرورة إشراف المكتب الدائم على طبيعة العلاقة ما بين اللجان، والحكومة وضرورة انسجامها مع التوجهات العامة للمجلس.
الرهان على مجلس النواب في مساءلة الحكومة ينسجم تماماً مع المصلحة الوطنية العليا التي تتطلب تقدير الظروف السياسية المرافقة لصفقة القرن، ومخاطر الاحتجاجات الشعبية الكبيرة على الأمن الوطني، والاستقرار الداخلي الذي يتطلب رصّ الصفوف، والعودة للأساليب الدستورية في العلاقة بين السلطات سيّما هذه المرحلة بالذات، وبالرغم من كل ما يقال فإن الحكومات أضعف بكثير من القدرة على الاستقواء على مجلس النواب إذا كان المجلس سيد نفسه ويعي دوره الوطني بإتقان.