«الدواء» بين الحكومات والشركات
حسين الرواشدة
21-05-2019 01:12 AM
أيهما أرحم: الحكومات أم الشركات؟ القارئ العزيز سيعترض على استخدام « الرحمة» كمعيار للمقارنة هنا، معه حق - بالطبع - فنحن في الغالب نهرب من « سوط « الحكومات حين يلهب ظهورنا بالضرائب والرسوم وفروقات الاسعار، فنقع في « فخ « الشركات التي تمص دماءنا دون ان نشعر، و « تسمسر» على طعامنا ودوائنا دون رحمة.
آخر ملف منزوع « الرأفة « وصلنا، كان من بعض شركات الادوية، فبعد سنوات طويلة اكتشفنا فجأة (ربما فجأة..! ) ان اسعار الادوية التي نركض للصيدليات لشرائها حين يداهمنا المرض مبالغ فيها ، لدرجة ان بعضها يباع بثلاثة او اربعة اضعاف سعرها في الدول المجاوة.
لسنا افضل حالا من غيرنا « فمؤامرة الدواء « كما سماها الصديق الدكتور باسم الطويسي في مقالته بالزميلة «الغد» امس الاول، قضية عالمية من جهة الاستغلال في سوق صناعة العقاقير، ف 73 % من الالمان مثلا - كما تشير احدى الدراسات - يرون ان قطاع الادوية حريص فقط على تحقيق مصالحه على حساب صناديق التامين الاجتماعي، لا تتعلق المسالة بالمبالغة بارتفاع الاسعار وانما ايضا في انتاج لقاحات فاسدة، او عدم الافصاح عن الاثار الجانبية لبعض الادوية، او تضليل
المستهلكين من خلال تضخيم حجم الاخطار لبعض الامراض.
هنا، بدأت قصة « ملف « الدواء باحتجاجات شعبية على وسائل التواصل الاجتماعي، انتقلت الى البرلمان ووزارة الصحة، حيث تم تشكيل لجنة لدراسة « واقع تسعير الادوية « لم تعلن نتائجها بعد، لكن اقرار وزارة الصحة بارتفاع الاسعار دفع احد النواب الى التصعيد الامر الذي اثار حفيظة شركات الادوية ودفعها الى « تهديد « من يحاول فتح هذا الملف.
حين ندقق فيما حدث نجد اننا امام حالات « احتكار « لبعض الادوية تمارسها بعض الشركات، سواء التي تصنع او التي تستورد، نجد ثانيا ان الحكومات « اغمضت عيونها « عن هذا الملف المهم لسنوات طويلة، نجد ثالثا ان مديرية الغذاء والدواء سارعت فجأة الى الاعلان عن تخفيض اسعار عدد كبير من الادوية ودون ان نعرف لماذا الان، نجد رابعا ان القضية تدور بين الحكومات والشركات من ناحية « التغاضي « عن الاسعار مقابل فرض ما يلزم من الضرائب عليها، نجد خامسا ان المواطن يدفع الثمن على الجهتين للحكومة وللشركات، نجد اخيرا ان قصة الدواء اخطر مما نتصور، ليس فقط فيما يتعلق بالاسعار المرتفعة، وانما في « التجارة « والسمسرة التي يمارسها بعض اصحاب المهنة على حساب « امراض « الناس واوجاعهم.
من المخجل بالطبع ان نتحدث عن « التجارة « بمعاناة المواطنين، وان يكون « المتاجرون « من ابناء هذا المجتمع الذين يعرفون الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا الفقير، وبدلا من ان « يتعاطفوا « مع الناس ويقدروا احوالهم، ينهشون جيبوبهم عند لحظة « المرض»، حيث يكونون احوج الى من يساعدهم للحفاظ على صحتهم وحياتهم.
ما علينا، فنحن في زمن « القاتل « الاقتصادي، حيث التوحش سمة هذا العصر، وحيث لا قيمة للانسان الا بما يمتلكه من ثروات، لكن المطلوب ان نفتح عيوننا كمواطنين لمواجهة هذا « الجشع «، وان نرفع اصواتنا لمطالبة الحكومات والشركات معا بالتراجع عن هذه الممارسات التي تصل الى حجم الجرائم، اما كيف ؟ فليس لدي وصفة سوى ضرورة كشف المستور، والضغط بكل الوسائل لوضع تسعيرة عادلة للادوية، وعدم اخضاعها للضرائب باعتبارها من ابسط حقوق الناس، في بلد لا يتمتع فيها الناس بصحة جيدة.. ولا بطبابة مناسبة.
الدستور