يوجد قطاع مهني واحد يشتغل فيه الناس سخرة غير مدفوعة الأجر ولسنوات. إنهم الأطباء المقيمون للاختصاص في مستشفيات الخدمات الطبية ووزارة الصحة من غير الموظفين في الجهازين مثل الطبيبة الشابة التي تعرضت للضرب. هل يسبب ذلك إحباطا عند الطبيب ينعكس على تعامله مع مرضاه؟! لا اقول إن ذلك حدث مع الطبيبة الضحية لكنها مناسبة لإثارة هذا الموضوع بذاته ولا أعلم إذا كانت نقابة الأطباء قد اهتمت به أو ناقشته فهو من وجهة نظري أمر غير معقول وغير مقبول أبدا.
الأطباء الذين يحملون الشهادة الجامعية الأولى يلتحقون بالعمل لدى وزارة الصحة أو الخدمات الطبية الملكية ويمكنهم بعد ذلك الالتحاق ببرنامج إقامة في أحد التخصصات بعد تقديم امتحان القبول والطبيب يمارس عمله بوقت كامل ويقوم بالمناوبات في القسم أو الأقسام المطلوبة إلى جانب التدريب والدراسة وتقديم الامتحانات. لكن إلى جانب هؤلاء يوجد مقيمون آخرون يقومون بنفس العمل وبدوام كامل ومناوبات لكنهم لا يتلقون فلسا واحدا!! كيف يحدث ذلك؟! يحدث استغلالا لقاعدة العرض والطلب. فالطلب على التخصصات يشمل عددا كبيرا من الأطباء من غير الموظفين وهؤلاء يتم فتح الباب لهم لتقديم امتحان القبول والالتحاق بالإقامة في مستشفيات الصحة والخدمات لكن دون تلقي أي قرش طوال سنوات الإقامة. ولا يستفيدون من التقادم الوظيفي وليس لهم أي أولوية بالوظيفة ولا اشتراك بالضمان الاجتماعي ولا حتى بدل تنقلات.
التخصصات الطبية ليست دراسة كتب ومحاضرات وامتحانات فقط إنه برنامج اقامة وعمل بدوام كامل مثل كل أطباء المستشفيات إضافة إلى الامتحانات تحت إشراف الاختصاصيين. فكيف يجوز تسخير الطبيب للعمل مجانا لأربع سنوات؟ لو أن التخصص هو دراسة نظرية وامتحانات عند المجلس الطبي أو الجامعة بينما على جبهة أخرى يستمر الطبيب بعمل خاص مثل الدوام في عيادة أو مستشفى لفهمنا الأمر، لكن لا يستطيع الطبيب ان يتخصص إلا بالعمل بدوام كامل في المستشفى المعني. وهناك مستشفيات مرخصة في القطاع الخاص لقبول التخصصات وهي تدفع بالطبع للمقيمين المقبولين فيها. فلا أدري كيف تم ابتداع هذا النظام الظالم استغلالا لحاجة الأطباء، ولا أفهم كيف تقبل نقابة الأطباء بل والمسؤولون أنفسهم في الخدمات الطبية ووزارة الصحة ذلك.
قد يقال إن نظام الحكومة والجيش لا يسمح بدفع رواتب لغير الموظفين لكن هذه ليست حجة ففي الأنظمة يوجد أيضا شيء اسمه شراء الخدمات أو العقود الخارجية بل يمكن وضع نظام خاص لكي يتلقى المقيمون من خارج الكادر الوظيفي أجورا عادلة.
دراسة الطب أطول وأصعب وأكثر كلفة من أي دراسة أخرى فهل يعقل تسخير الخريج أربع سنوات أخرى للعمل مجانا وأن يطلب من والده حتى أجرة الباص للذهاب للدوام مع أن الطبيب المقيم مجانا مثل زميله المقيم الموظف يقوم بنفس كمية العمل والجهد ومعالجة الناس وأيضا التعرض للمخاطر وربما الضرب والإهانة كما في حالة الطبيبة آنفة الذكر. ليس هناك متدربون في أي قطاع آخر لا يقدم لهم تعويض ما عن العمل، فما بالك بأطباء يقومون بعمل ويتحملون مسؤوليات لا تقارن بأي قطاع آخر. نقول لوزارة الصحة والخدمات الطبية ونقابة الأطباء من العيب إبقاء أبنائنا الأطباء في نظام السخرة هذا.
صحيفة الغد