لا أظن أنه مازال بين ظهرانينا من الأمهات والجدات من يستطعن إقناعنا بأن كل ما يجري في بلدنا من مشاجرات وجرائم قتل ناتج عن ( عين طرقتنا وما صلت عالنبي ) ، فقد أصبح فعل القتل المتعمد يجوب مددنا وقرانا بالتناوب ، وكأننا أمام مسرح متنقل للجريمة لا نكاد ننسى قاتل زوج إبنته ، ليطل علينا خبر قاتل زوج أخته وما بينهما من أخبار متواترة عن فتيات في عمر الورود أثبت الطب الشرعي في غالبية الحالات برائتهن من الفاحشة بعد أن مزقت أجسادهن سكين مكلف برعايتهن من أقارب الدم أو الرحم ، لتنقلب فضائل الشهر الذي نعيش من صلة للرحم وتواصل مع الأهل إلى ساحات للمعارك وتبديد لجهود الأجهزة الأمنية ووجهاء الخير بدلا من التوادد والتراحم بحكم ما عرف عن مجتمعنا الأردني من شهامة وخلق .
لا أدري إن كان معدل الجريمة في المملكة قد ازداد في الشهرين الأخيرين فعليا ، أم أن النشاط الإعلامي واحتدام المنافسه بين وسائله كان السبب في تنامي ذلك الشعور ، إنما وبكل الأحوال علينا الإعتراف بأننا أمام ظاهرة غريبة عن أخلاق مجتمعنا ابتدأت تقلق أفكارنا وتحتل جزءا من أحاديث مجالسنا وتبعث الحياة في مفاهيم جاهلية بالية بعيدا عن اللجوء للقانون لفض المنازعات وترك عقوبة الجاني للقضاء ، مما يدمر المجتمع ويرهق المواطن بغير ذنب ، إذ لا يعقل أن نجلس على جمر القلق والخوف بانتظار عودة أبنائنا من الجامعات والمدارس دون انزلاقهم في مشاجرة جماعية أو أن يقع أحدهم فريسة ثأر لخطيئة لايجمعه بمرتكبها سوى اسم العشيرة ، إن لم يجد أقارب المجني عليه ما يحرقونه أو يدمرونه من ممتلكات عشيرة الجاني ، ناهيك عن التسبب المباشر في إزهاق الروح التي حرم الله .
الأمر جد خطير ويحتاج من الدولة توجيه الجهات المعنية وأهل الإختصاص لإجراء الدراسات اللازمة ونشر المعلومات عن واقع الحال لمعرفة الأسباب ووضع الحلول المناسبة لا أن تترك الأمور للتخمينات وإطلاق الإتهامات بوجه الفقر والبطالة مع أني لا أبرئهما من الشراكة في الجريمة مع عناصر أخرى كثيرة قد تسبقهما بالتأثير من بطء الإجراءات في المحاكم لتخليص الحقوق ، إضافة إلى وجود نماذج في المجتمع ممن يملكون السلطة ويتحدون القانون بحكم مواقعهم الرسمية أو الاجتماعية أو المالية مما يدفع الشباب لتقليدهم باللجوء إلى العضلات وأدوات القتل لإثبات السطوة كنتيجة طبيعية لعدم قدرتهم على فرض آرائهم وحماية مصالحهم بوسائل أخرى . ولا ننسى البعد عن الدين وضعف القيم أمام سطوة المجتمع المادي وربما غيرها الكثير من الأسباب مما قد تكشفه الدراسات المتخصصة .
mustafawaked@hotmail.com