بعد السبعين بثلاث سنوات على الاستقلال، وقريباً من المئة على عمر الدولة، وفي عهد الملكية الرابع الموصول، يقرأ الأردنيون اليوم في كتاب الاستقلال، احد أهم مفاصل تاريخنا المعاصر.
وما زالت هذه الذكرى بالرغم من مضي السنوات عليها، بحاجةٍ إلى الكتابة عنها من نواحٍ ما قبلها وما بعدها، وشرح كيفية تحكم "دار المندوبية" بمفاصل القرار للإمارة الناشئة.
فالاستقلال ليس ذكرى وعبرة فقط، بقدر ما هو موقف وبداية، ذلك أن الدولة الأردنية احتفت به مرتان الأولى عام 1923م، حيث كانت مناخات القومية والاستعداد لتوسعة الخطاب العروبي وتأصيله والاستقلال الرسمي عام 1946م، والذي ما زال شاهداً على معركة الأردن مع موقعه ولأجل مبادئه.
وما بين الاستقلال الأول حيث أعربت الدولة الأردنية عن ذاتها على أنها دولة عربية، حيث جاء في خطاب الملك المؤسس (الأمير آنذاك) في خطبة الاستقلال منتصف أيار عام 1923م، " اني لآمل ان يكون موقف الدولة الفرنسية تجاه قضيتنا العربية المقدسة وتجاه القسم الشمالي الباقي من وطننا المحبوب آخذ بها إلى عهد جديد كاف للدلالة على احترام أبناء الثورة الفرنسية لحرية الاقوام واستقلالها..".
فالهم في الاستقلال الأول كان شمالاً حيث سوريا التي جرت عليها ميسلون نوازل ما زالت تعيش بقاياها من تقسيمٍ وتشظٍ بقي ماثلاً في جسدها.
ولكن، هذا الخطاب لم يشغل الأمير عن وضع الدستور الأول عام 1928م، والذي سُمي بالقانون الأساسي، وكان هو الأساس للدستور الذي وضع عام 1952م.
وخلال عهد الإمارة توسعت الدولة جنوباً لتطل على العقبة عام 1925م، إذ لم تستقل الأردن أول مرة بحدودها المعروفة اليوم، وخلال السنين الأولى كان التجاذب على أشده ما بين الانجليز ومؤسس البلاد، حيث تبنى تياراً عروبياً ساعياً إلى الوحدة، وبقيت هذه قضية شاغلة ومتأصلة في وجدان الدولة وخطابها وعقلها.
ولكن، طرد الاستقلاليين، وتمكن دار الاعتماد البريطانية من مفاصل الدولة كافة، حال دون السير خطواتٍ إلى الأمام.
أما الاستقلال الرسمي عام 1946م، فما زالت وثيقة الاستقلال تشير بوضوح إلى الهوية التي انتهجتها الدولة رغماً عن كل محاولات الطمس التي مارسها الانتداب بأن " البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية ( عبدالله بن الحسين ) المعظم بوصفة ملكا دستوريا على راس الدولة الاردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة ".
فعلى أساس العروبة وما حقق في عهد الإمارة من قانونٍ أساسي وحوارات وطنية مثلتها المؤتمرات الوطنية التي كانت محل دعم الملك المؤسس في عهد الإمارة تأسس هذا الوطن.
وقد تحقق الكثير بعد ذلك من منجز أردني وبذل وتضحية، فالأردن ميزته أن خطابه السياسي موافق لحراكه السياسي والإنساني، على خلاف دول كثيرة ترفع شعارات وأفعالها تناقضها.
واليوم، وبعد هذه المسيرة، وبالرغم من كل ما يشاع إلا أن لنا في السيرة خير معينٍ على الثقة بالمملكة وخطابها ومليكها .. وإن كان الهم اليوم غرباً حيث فلسطين فإن الهمة ستبقى عالية .