رجال الأعمال المغتربون والتنمية الاقتصادية
د. سامر إبراهيم المفلح
19-05-2019 04:10 PM
يؤدي المغتربون الأردنيون دورًا اقتصاديًا واجتماعيًا مهمًا في الأردن، وبحسب تقرير نشره منتدى الاستراتيجيات الأردني في العام 2018 تحت عنوان "المغتربون الأردنيون في الخليج العربي: من الذي يحول؟ وكم؟ ولماذا يحول؟" والذي أشار وبالاستناد إلى بعض المصادر بأن المغتربين الأردنيين يشكلون نحو %10.5 من المواطنين بما يقترب من 786 ألف مغترب، يساهمون في إدخال الأموال للأردن من خلال حوالاتهم، والتي تشكل نحو %8.3 من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالرجوع إلى بيانات البنك المركزي فقد بلغ حجم حوالات العاملين المتدفقة للاقتصاد الأردني ما يقترب من 2.4 مليار دينار في العام 2017، ومما لا شك فيه فإن هناك عددًا لا بأس به من المغتربين هم من رجال الأعمال والتجار أو حتى أصحاب الدخول المرتفعة، والذين يمكنهم تنفيذ استثمارات أو بدء شراكات تجارية مع المملكة.
ويشكل رجال الأعمال المغتربون الأردنيون فرصة كبيرة لتحفيز النشاط الاقتصادي والاستثماري ليس فقط لتوفر رؤوس الأموال لديهم، بل إن المعرفة التي اكتسبوها في القطاعات الاقتصادية التي ينشطون بها، والأسواق التي يتعاملون معها، ورأس المال الاجتماعي الذي كوّنوه من خلال علاقاتهم الشخصية والتجارية، تشكل ثروة لا تقدر بثمن يمكن توظيفها لغايات تنموية واقتصادية تعود بالفائدة عليهم وعلى المملكة.
كما أن الكثير من رجال الأعمال المغتربين توجد لديهم الرغبة والحافز للاستثمار في الأردن، ونقل قصص النجاح التي حققوها إلى المملكة، وآخرون يرغبون أن تتكامل أعمالهم التجارية أو سلاسل الإمداد لصناعتهم مع المصانع والأسواق الأردنية، ومنهم من يرغب بتوظيف الكوادر الأردنية المؤهلة في استثماراته في الخارج.
ومن هنا يمكن العمل على مأسسة الآليات الرسمية وتوفير النوافذ الخدمية الحكومية وغير الحكومية بالتعاون مع مختلف الجهات، بما فيها غرف الصناعة والتجارة لتحقيق هذه الرغبات لرجال الأعمال والمستثمرين المغتربين.
وبالرغم من قيام مبادرات حكومية وغير حكومية وبالشراكة أحيانًا للتواصل مع المغتربين من رجال أعمال ومستثمرين، وتوجيههم إلى الفرص الاستثمارية المتاحة في المملكة، كمبادرة تنظيم مؤتمر المستثمرين ورجال الأعمال الأردنيين في الخارج، والذي أُطلق في العام 1998 وتم عقد 6 دورات منه إلى اليوم، إلا أن هناك مساحة كبيرة جدًا لتطوير استهداف استثمارات المغتربين وتوظيف علاقاتهم لتحقيق التنمية التجارية والصناعية والتقليل من البطالة.
ومن أجل النهوض بهذه الجهود وتفعيلها بالشكل المناسب لا بد من اتخاذ خطوات فعلية على أرض الواقع لعل من أهمها، وفي ظل غياب الإحصاءات والبيانات الرسمية الدقيقة عن المغتربين، إنشاء قاعدة بيانات متكاملة عن المغتربين الأردنيين ورجال الأعمال والمستثمرين منهم، وتشجيعهم على تزويد معلوماتهم من خلال حزمة من النشرات والخدمات التي قد يستفيدون منها.
ولا بد لسفارات المملكة من دور أساسي في هذا الإطار وبالتعاون مع الجهات التي قد يكون لها مساهمات محتمله كدائرة الأحوال المدنية والجوازات، وإدارة الإقامة والحدود، وروابط وأندية وجمعيات المغتربين الأردنيين في الخارج، للخروج بآلية عمل واضحة ونظام متكامل لتوثيق وإدارة بيانات المغتربين الأردنيين، بما فيهم رجال الأعمال والمستثمرون والقطاعات الاقتصادية التي ينشطون بها.
وقد أوردت وثيقة "الخطة الاستراتيجية للمغتربين والخطة التنفيذية 2014 – 2018" لوزارة الخارجية مشروعًا باسم "دعم مقترح المغتربين لتأسيس صندوق استثمار للمغتربين"، حيث إن تأسيس صندوق استثمار للمغتربين في قطاعات محددة وبمشاركة ولو بسيطة في رأس ماله من قبل الحكومة، قد يكون واعدًا جدًا.
وخصوصًا في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تثبت جدواها على المدى المتوسط تحت مفهوم نظام البناء والتشغيل والتحويل أو البناء والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T). كما يمكن للصندوق أن يستهدف تنفيذ استثمارات لمشاريع إنتاجية وخدمية في المملكة تتكامل مع الاستثمارات القائمة للمغتربين في البلدان التي ينشطون بها.
إن المرحلة الحالية تتطلّب جهودًا وحلولًا نوعية للنهوض بالمؤشرات الاقتصادية الكلية من أجل التقليل من نسب الفقر والبطالة، وتحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي سجلت انخفاضًا في العام 2018، كما تتطلّب المرحلة ضرورة إيجاد الآليات المناسبة ومأسستها، للبناء على رأس المال البشري والاجتماعي والمادي المتاح من قبل المستثمرين ورجال الأعمال الأردنيين في الخارج الذين لم ولن يترددوا يومًا في بذل ما يمكنهم تقديمه من أجل المساهمة الفاعلة في التنمية الاقتصادية للمملكة.