أمريكا وإيران، حروب قادمة ام أزمات مفتعلة؟
د. نضال القطامين
19-05-2019 03:47 AM
هل تتفاقم أخطار الحرب في مياه الخليج أم أن لكل هذا التحشيد على الأرض وفي الفضاءات الإعلامية، أسباباً أخرى. لا احد يجزم.
ترسل الولايات المتحدة تحذيرات لشركات الطيران المارة فوق الخليج. ويصرح رئيس مجلس الأمة الكويتي بأن الأوضاع خطيرة وغير مطمئنة. بينما تمتلىء تصريحات الإيرانيين غموضا.
في واقع الأمر، فإن الغموض يلف الموقف برمّته. لن يبلغ الوضع الأمني ذروته هناك. ثمة محاذير لا يمكن انتهاكها في كل الأحوال، وثمة مصالح أيضا في استمرار التحشيد.
مصالح لكل الجهات، أعتقد أن في طليعتها استئناف حلقات الإبتزاز الأمريكي للثروات العربيه، والتحضيرات النهائية للإعلان عن خطة القرن، أو صفقة السلام وصولا لحلم اسراءيل الكبرى. لاعلاقة للمسميات هنا بما سيكون على الواقع. هذا من شأن المنتصرين. اولئك الذين بوسعهم فرض الشروط دون وجل من أحد.
لا أرى في تحشيد القطعات البحرية وحاملات الطائرات والقاذفات العملاقة، سوى تصعيد إعلامي وحسب، وهو ردع لتهديد إيراني بإغلاق مضيق هرمز، المتعلٌق بثلث صادرات البترول العالمي، وفق تبريرات المنطق العسكري التي تسوقها الإدارة الأمريكية.
يجيد مسؤولو ايران أدوار اللعبة جيدا. في الوقت الذي يؤكد فيه قادة الحرس الثوري أن بإمكان صواريخه الوصول للقطع البحرية الأمريكية بسهولة والى قلب تل ابيب، يبدو وزير الخارجية ظريف، ظريفا ومهادنا ودبلوماسيا في ثياب حمل وديع. إنها لعبة مكشوفة للطرفين ولربما لغيرهم من الأطراف.
لكن المستمر المريب، هو أن أحدا من العرب لا يقلقه هذا التوتر المتنامي في خاصرة عروبته. أدركوا مبكرا أن الحفاظ على حدود القُطْرية، وقد ألهاهم عن الخروج من ثيابها الرثّة، يؤمن لهم حياة مؤقتة، سرعان ما ينثر تفاصيلها الثوّار في الأزقة المؤدية إلى السرايا والقصور.
يا لها من حياة ذليلة. تلك التي تقضيها بين الأرائك متنعماً، ثم ينزع سلطانك دون ان يذكرك التاريخ بحرف.
في السيناريوهات المحتملة، تبرز فكرة الحرب كتهيئة المناخ السهل في المنطقة، لتيسير خطط الإدارة الأمريكية في السعي نحو السيطرة على مفاتيح السياسة والإقتصاد في العالم. تقتضي هذه الخطط تذويب العناصر المرشحة للممانعة، ربما بإنهاء إيران كخطر محتمل، وتفريغ غزة من حماس، وانهاء أحلام العودة للاجئين، ثم فرض شروط الإنتصار.
لست متيقّناً من الربط بين الأزمة الناشبة في الخليج، وبين ما أورده (جان كلود موريس) في كتابه ( لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه)، الذي يسلط فيه الضوء على أسرار الغزو الأمريكي للعراق، ويقرأ فيه أسباب الغزو من زاوية لا تخطر على بال أحد، إذ يقول متيقّناً بأن من أهم أسباب الغزو، أن الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش الابن) " من اشد المؤمنين بالخرافات الوثنية، ومهووس بالتنجيم والغيبيات, وتحضير الأرواح, والانغماس في المعتقدات الروحية المريبة, وقراءة الكتب اللاهوتية القديمة, وفي مقدمتها (التوراة)"، وأن خياله قد جنح في وهمه بأنه حين يغزو العراق فإنما يغزو قوم يأجوج ومأجوج، وأنه أفصح ذاك السبب صراحة للرئيس الفرنسي في أكثر من مكالمة تلفونية. فهل نحن أمام حرب دينية؟ سيزيد ذلك من غموض الأزمة ولربما يفتحها للفهم على مصراعيها.
ملفات المنطقة الساخنة على طاولة اجتماعات القمتين اللتين دعا لهما الملك سلمان، وعلى المحك هناك، قراءة السيناريوهات جيدا، لكن الأهم من ذلك، هو التفكير بالخطوات الكفيلة بنزع فتيل الأزمة الحرجة، ثم إعادة الإنتشار وتغيير المواقع والمواقف، للوقوف على التفاصيل المحتملة لهذه الأزمة ولنتائجها العسكرية والسياسية، بغية الحفاظ على فكرة القومية والعروبة، والتماهي مع مواقف الشعوب، فهي ضمان الإستقرار أولا وأخيرا، ثم تسجيل مواقف تليق بتاريخنا وعروبتنا وحضارتنا، والعودة بالدول العربية ممن نفذت من مشاريع التصفية، لاجتراح مواقف تؤمن لأجيالنا القادمة شيئا من تاريخ جيد، بعد أن أصبحنا كرةً بأيدي الشياطين، يتقاذفونها كيفما شاءوا.