أمجد ناصر والمفرق ومالك بن الريب
د.مهند مبيضين
19-05-2019 02:11 AM
منفتحاً على شهية الكتابة، وما زال يعد بأعمال جديدة بعد عمله الشعري المنشور أخيراً بعنوان «ممكلة آدم» والذي قدم له الناقد السوري صبحي الحديدي، واصفا إياه بأنه عمل يدير فيه امجد عبر سبع طبقات جحيمية، «بنية اشتباك انساني واخلاقي» وواصفاً الديوان بأنه «رسالة اللاغفران التي يرسلها امجد ناصر إلى عصرنا الراهن»، والتي لا يغفل ناصر عن ايراد مشاهد معاصرة فيها عن الاستبداد والقمع والبراميل التي تسقط على الرؤوس كالمطر «في بلاد البراميل والساّرين وخزنة تي إن تي».
هكذا يبهرنا أمجد ناصر وهو في رحلة علاج صعبة مع المرض ليأتي بالجديد الذي يعيده كما في كل مرة شاعراً فطناً، ومقاتلاً عنيداً ضد النهايات والمسلمات المرسومة لمن يحبون الطوعية والطاعة.
هذا البدوي الموغل بالحرية، وبرغم كل تجاربه التقدمية « إلا أنه ظل وفياً لقيم البداوة، التي لم تغادره شعرياً، في مشاهد الطفولة التي تخص الأم والأب والبيت والمكان الصحراوي الأول الذي سيُبقي عنده على فكرة العودة من المنفى مهما طال الغياب، وقال عنها تيسير السبول في ديوانه احزان صحراوية:
«وكأن الصوت في طيات صدري
رجعَ اليوم حنينيه
فأراه بدويا خطت الصحراء لا جدوى خطاه
موحشا يرقب أثار الطلول «
لم يكن أمجد ناصر إلا مناضلاً تقدمياً، قال لنا أول امس حين سألته عن الخروج لبيروت عام 1977، «خرجت غاضبا كما كل الذين خرجوا في ذات الحالة على مصير أوطانهم وفلسطين». وهكذا كان امجد مثل كل الكبار الذين اتعبتهم الهزائم، وأرادوا دفن الكارثة، فكانت بيروت الوجهة التي سيلتقي بها أعز الرفاق ميشيل النمري الذي يرى أنه كان ظاهرة في الصحافة العربية مع الايمان بالديمقراطية، وهو أول من قابله واستقبلة في بيروت. ولغالب هلسا أيضاً عنده الحضور الكبير المتوج بالشوق لأيام النضال والحرية والمعرفة.
بالنسبة لجيلنا لم نعرف غالب ولا ميشيل مباشرة غيرأننا قرأنا لهم ولغالب بشكل اكبر، لكننا نحمد الله أننا عرفنا امجد، ولم نسمع عنه فقط في الكتب والأعمال الأدبية والإعلام، فأمجد ابن هذا الزمان الذي لا تشبه أيضا كل أزمنة الهزائم.
أمجد الذي قدم صورة الأردني العربي المشغول بقضية الأمة، دون أن يتغير، أو يبيع قلمه، وامجد البدوي المغرق بالحداثة، ولكنها بداوة لم تقتلعها المدنية الغربية ولا الحالة النضالية من داوخله ومن ابداعه، فابقى عليها أجمل ما فيها بداخله، وفي سلوكه وبمحبته للحياة وللآخرين.
امجد المحب لكل من تعرّف إليه، لا يعلن الاستسلام، بل بقاوم بكل شراسة، ويخط رسالته الرثائية بنفسه، ومع ذلك يعلن العزم على رحلة علاجية جديدة، حاملاً إلى المفرق معه الكثير من الآمال والامتنان لك من يسأل عنه ويراسله.
هذا الجميل الاردني، المالك لزمام الوعي والابداع، أصرّ على سؤال الموت، ونقاش الطبيب في بلاغه الاخير إليه في لندن، معيداً مالك بن الريب إلى الواجهة، بيد أن الفارق بينهما، أن قرى خرسان كانت تفصل بين ابن الريب وقومه في اطراف السُمينة، فيما امجد قوي بين ظهراني قومه، ويقاوم ويشع الامل فينا جميعاً.
هذا الهارب من هزيمة عام 1967 وهزائم الحرية والاستبداد ولاحقا حصار بيروت، يواجه المرض اليوم كي يهزمه هو ولا ينهزم منه، وهو مؤمن بما أراد الله له، موقن بالأخذ بالاسباب وسبل العلاج، ويدخن عبر سيجارته الالكترونية، وطاولته مليئة بالكتب وجهاز كمبيوتره قريب منه متهيئًا للعمل معه، فيمارس العمل الصحفي يتابع ملحق ضفاف في العربي الجديد، وبقية الكتب المعدّة للنشر.
ويذهب بك إلى حديث عميق عن البلد والحرية والإصلاح والذاكرة الجميلة. لكن بيروت التي كتب عنها أنها مدينة صغيرة بحجم راحة اليد، تطارده، فهي التي قال عنها:» ولدت من رحمها باختياري».
الدستور