هل تغيرت المقاربة الأمنية في الأردن؟
فهد الخيطان
19-05-2019 01:15 AM
رأى كثیرون في قضیة توقیف النائب السابقة ھند الفایز على خلفیة قضیة مالیة، قبل الإفراج عنھا في الیوم التالي، تصعیدا خطیرا لا بل تحولا في المقاربة الأمنیة والسیاسیة لجھة مفھوم ”الأمن الخشن“، وفي السیاق ذاتھ، توقیف عدد محدود من نشطاء ”الرابع“ بعد أن تجاوزت شعاراتھم سقف القانون .وذھبت جل التعلیقات إلى ربط ھذا التحول بوزیر الداخلیة ”المخضرم“ سلامة حماد الذي دخل الحكومة ضمن التعدیل الوزاري الأخیر على حكومة الرزاز.
مجمل المعطیات السیاسیة والأمنیة لا تبرر ھذا الرأي لاعتبارات عدیدة.
قضیة النائب الفایز حساسة جدا لسببین؛ نشاطھا السیاسي كمعارضة نشطة، وصفتھا كنائب سابقة. لكن ینبغي الملاحظة ھنا أن مؤسسات الدولة كسرت ھذا ”التابو“ في السیاق العام ولم تعد تأخذ في الاعتبار مكانة الأشخاص السیاسیة عندما یتعلق الأمر بتطبیق القانون، وثمة أمثلة كثیرة على ھذا الصعید. قبل أیام فقط تم توقیف نائب حالي ”سیدة أیضا“ بعد شجار مع ضابط شرطة، وسبقھا تسطیر لائحة ادعاء بحق نائب حالي في قضیة تزویر. وعلى حد علمنا لم یتم تحریك أي قضیة ضد السیدة ھند الفایز على خلفیة مواقفھا السیاسیة وتصریحاتھا مرتفعة السقف في الوقفات الاحتجاجیة طول السنوات الماضیة.
وأیا تكن الخلافات مع سیاسة الحكومة حول ملفات داخلیة، فھي بمنسوب أقل بكثیر من تلك التي سادت مع حكومات سابقة. أما على مستوى الدولة، فإن التناغم بین مواقف المؤسسات والشارع حول القضایا الكبرى ھو في أفضل مستویاتھ مقارنة مع مراحل سابقة.
الموقف من تسریبات صفقة القرن، واللاءات الثلاث التي أطلقھا الملك عبدالله الثاني كانت كفیلة بحشد الرأي العام الأردني خلف موقف الدولة، وتنظیم عشرات الفعالیات الشعبیة المساندة وبدعم من أحزاب معارضة وقوى مدنیة مستقلة.
صدى ھذه المواقف تجاوز الداخل الأردني لیحصد التأیید في الشارع العربي، ویكفي الإشارة ھنا إلى تصدر الملك عبدالله الثاني استطلاع الشخصیة الأكثر شعبیة لقناة الجزیرة القطریة ثلاث مرات في غضون أسابیع قلیلة.
ما أود قولھ ھنا إن الدولة لیست في موقف حرج یستدعي اللجوء للقبضة الأمنیة لتمریر صفقات أو مشاریع مرفوضة شعبیا ومفروضة خارجیا.
أما الحراك في الشارع، فھو في أدنى فعالیاتھ مقارنة مع سنوات سابقة بلغ فیھا معدلات قیاسیة ومع ذلك لم تضطر الدولة حینھا لإجراءات أمنیة قاسیة كالتي أقدمت علیھا دول أخرى.
أعتقد ان ما یحصل حالیا من إجراءات لا یزید عن كونھ تنبیھا شدید اللھجة بضرورة التوقف تماما عن تجاوز السقوف، والتطاول بشعارات وبعبارات ترفضھا الأغلبیة الساحقة من الأردنیین على اختلاف توجھاتھم، وترى في تكرارھا تھدیدا لھیبة الدولة وضربا للوحدة الوطنیة، وضررا بالغا بمطالب الإصلاح.
ویدرك غالبیة المشتغلین بالسیاسة في الأردن أن المقاربات الأمنیة التي تحكم علاقة الدولة بمواطنیھا لا تخضع للتغییرات في المناصب الرسمیة حتى لو كان ھذا المنصب بحجم وزیر الداخلیة.
في سنوات الشدة الماضیة تقلب عدد غیر قلیل من الوزراء على موقع ”الداخلیة“ لكن ذلك لم یغیر في المعادلة الأمنیة التي ظلت محكومة بحرمة الدم الأردني، واحترام حریة التعبیر والرأي وحق التظاھر السلمي. وھذه السیاسة لیست مرشحة لتغییر جوھري في المرحلة المقبلة.
الغد