الأردن والجيل الجديد من مكافحة التطرف
د.باسم الطويسي
18-05-2019 01:07 AM
مثل الملك عبد الله الثاني الأردن والعالمین العربي والإسلامي في القمة العالمیة التي عقدت الاربعاء الماضي في باریس بعنوان (نداء كرایس تشیرش: مكافحة التطرف والارھاب على الإنترنت)، حضور الملك ضمن سبعة رؤساء دول وحكومات تم اختیارھم من بین زعماء العالم كافة وعدد من مدراء كبریات شركات التكنولوجیا في العالم في قمة اطلقت جھدا دولیا لخطة عالمیة لمكافحة التطرف والكراھیة عبر الإنترنت یحمل ھذا الحضور ثلاث دلالات كبیرة.
الدلالة الأولى؛ ان الأردن یمارس الیوم بالأفعال والممارسات دور ضمیر الثقافة والحضارة العربیة والإسلامیة وممثلھا في مخاطبة العالم وعملیا یمارس الأردن دور سفیر العالمین العربي والاسلامي للعالم في القضایا العالمیة الأكثر حساسیة وتعقیدا، وھذا الدور بات مطلوبا عالمیا من الأردن، فالخبرة التي راكمھا الملك عبد الله والقدرة على مخاطبة العالم جعلت من الأردن الصوت العربي الوحید القادر على تمثیل الثقافة العربیة والاسلامیة والقادر على اقناع العالم وكسب احترامھ، ولطالما مارس الأردن ھذا الدور في مراحل سایقة، لكننا الیوم امام لحظة تاریخیة فیھا الكثیر من التكثیف والتأزیم والمزید من حاجة العالم لسماع صوت من ھذه المنطقة تفھمھ الثقافات الاخرى ولدیھ القدرة على الاقناع في المقابل یشھد العالم العربي حالة من الفراغ والتجریف في القدرة على مخاطبة العالم أو لفت انتباھھ.
الدلالة الثانیة؛ ان الأردن الیوم یراكم خبرة اقلیمیة وعالمیة في مكافحة التطرف والارھاب وفي المقدمة التطرف من خلال الإنترنت، وتجربة اجتماعات العقبة التي بدأت العام 2015 ولا یعرف عنھا الأردنیون الكثیر على درجة كبیرة من الأھمیة في حفظ الامن ومكافحة الإرھاب في جنوب شرق آسیا وفي شرق افریقیا تحدیدا واستطاعت ھذه الاجتماعات أن تبني شبكة علاقات أمنیة واستخباریة منحت الأردن خبرة فریدة على مستوى المنطقة، الدلالة الثالثة تتمثل في علاقة الأردن بقطاع شركات انتاج التكنولوجیا الرقمیة في العالم والتي نسجھا الملك عبر سلسلة من الانشطة واللقاءات خلال السنوات الماضیة، ھذه الخبرة تمنح الأردن الیوم مكانة مھمة وقیادیة في عشرات المبادرات التي قد تطلق خلال المرحلة القادمة من قبل عمالقة ھذه التكنولوجیا للحد من استخدام الانترنت للتطرف والكراھیة، والتي تحتاج الى شركاء یمثلون اللغة العربیة تحدیدا.
اتت ھذه القمة استجابة عالمیة للھجوم الذي استھدف مسجدین في نیوزیلندا في منتصف آذار الماضي وراح ضحیتھ 50 شخصا، وتوصلت القمة الى ان 26 دولة وشركة عملاقة للإنترنت وقعت، وثیقة تعھد واستجابة (لنداء كرایس تشیرش) وتضمن الإعلان الموقع بین الدول والشركات: ”تطویر أدوات لمنع تحمیل المحتوى الذي یحض على الإرھاب والتطرف والعنف، وتحسین الشفافیة في الكشف عن المحتوى المتطرف وإزالتھ، والتأكد من أن الخوارزمیات المصممة والمستخدمة من قبل شركات لا توجھ المستخدمین إلى المحتوى المتطرف والعنیف من الشركات التي وقعت: أمازون، وفیسبوك، وغوغل، ویوتیوب، ومایكروسوفت، وتویتر، وكوانت، ودیلي موشن، ویكي میدیا، كما تعھدت ”فیسبوك“ بتغلیظ شروط تقنیة البث المباشر.
ان الاعتقاد بأن معركة العالم ضد الإرھاب والتطرف والكراھیة في طریقھا الى النھایة بالاتكاء على حالة تصفیة الحروب التي تشھدھا المنطقة وتحدیدا في منطقة المشرق العربي ھو اعتقاد خاطئ، فالعالم سیبقى عرضة لموجات غیر تقلیدیة من مصادر التھدید قد تستمر لعقدین على الاقل تجتمع فیھا كیانات إرھابیة مع الاستخدام الضار لادوات التكنولوجیا الرقمیة، حسب رصد غوغل للتبلیغ الحكومي عن المحتوى الضار فقد ازداد من نحو الف بلاغ في العام 2010 إلى أكثر من 30 ألفا في العام 2018 ومعظم ھذه البلاغات عن محتوى یحرض على التطرف والكراھیة والارھاب.
أمام الأردن فرصة كبیرة في استثمار ھذه المكانة العالمیة في تطویر قدرات وطنیة في اغناء اللغة العربیة بالتطبیقات الرقمیة التي تعمل على الحد من المحتوى الضار أي الذي یدعو الى التطرف والكراھیة والارھاب، وتطویر نماذج رقمیة تعتمد منظور الذكاء الصناعي في ادارة المحتوى العربي والابلاغ عن المحتوى الضار، ان التقدم خطوات بھذا الاتجاه لا یعني المزید من الاستثمار الاقتصادي والمزید من فرص العمل فقط بل استثمار سیاسي واستراتیجي طویل المدى.
الغد