جريدها مديرها جمال الدين الافغاني
رئيس تحريرها الشيخ محمد عبده
جريدة أسبوعية صغيرة ,تطبع وتصدر باللغة العربية في قلب العاصمة الفرنسية وتحرر في حجرة صغيرة ضيقة على سطح منزل من المنازل القديمة وترسل سراً الى الاقطار الشرقية خشية أن ترمقها العيون وكأنها أحدى المحرمات ,هذه الجريدة ذات الموارد المالية المحدودة ومقالاتها الثورية ونداءاتها الوطنية تقلق الحكومة البريطانية في حينه حتى أنها سعت لمنع دخولها الى الهند ومصر وسوريا والسودان وصدر قرار برئاسة نوبار باشا الارمني على اصدار غرامة مالية على كل من تسول اليه نفسه لقرائتها.
وليس بعجيب أن يكون شأنها في نظر الانكليز وهم يعرفون مديرها جمال الدين الافغاني ورئيس تحريرها الشيخ محمد عبده وليس بغريب أن يكون لها الأثرالعميق في نفوس قرائها وكانت اول جريدة عربية تصدر في اوروبا عقب الاحتلال البريطاني لمصر وعلى الرغم كان عمرها قصيراً بسبب ما اتخذته بريطانيا العظمى من تدابيرشديدة لعرقلة أعمالها الا انها أستطاعت أن تترك آثار بعيدة لدى أبناء الشرق عموما وفي أبناء العروبة خصوصاً حبب اليهم طلب الحرية وبث فيهم روح الوطنية وأحيت عندهم الشعور بالكرامة الانسانية .
والعروة الوثقى التي لم يظهر منها الا ثمانية عشر عددا قد جمعت في كتاب لا يزال مرجعاً معروفاً الى يومنا هذا .
أن القدرة والتضحية التي أقدما عليها الشيخ محمد عبده وجمال الدين الافغاني حين أشتدت عزيمتهما على اصدار تلك الجريدة في اوروبا عام 1884 وفي رسالة من باريس بعث بها الشيخ محمد عبده في 11 ابريل من تلك السنة الى صديقه الشاعر الانكليزي (ولفر بلنت) مؤلف كتاب التاريخ السري لاحتلال الانجليز لمصر نرى الشيخ محمد عبده يلخص اهداف العروة الوثقى في بندين 1- صون استقلال الشعوب الشرقية 2- واقلال بال الحكومة الانجليزية حتى ترجع عن أعمالها المثيرة لخواطر العرب والمسلمين .
وأن تأملنا صفحات الجريدة وجدناها تتفنن في اساليب التأنيب على الانكليز وتصغير من شأنهم والتحذير من الوقوع في حبالهم حتى أنها لجأت في بعض الاحيان الى رواية بعض الاساطير فتطبقها عليهم وعندئذ يوضح مقصدها من الرواية مثال على ذلك (الهيكل العظيم) وتعقب الجريدة على تلك الاسطورة فتقول: بريطانيا العظمى هيكل عظيم يأوى اليه المغرورون اذا أوحشت نفوسهم ظلمات السياسة فتدركهم المنية بمزعجات الاوهام وكم هلك بين جدران الهيكل البريطاني من لا مريرة لهم ولا ثبات لجأشهم !وأخشى أن يسوق اليأس الى ذلك الهيكل رجلا قوي المريرة (مزدرياً للحياة الذليلة) فما تكون الا هنيهة حتى يصعد فيها صوت اليأس فينقض الجدار وينحل هذا الطلسم الأعظم.
ولم تقف العروة عند حد التحذيرات من السياسة الاستعمارية الغربية ,بل دأبت على التنديد بالزعماء والحكام في الشرق الذين غفلوا عن مرمى هذه السياسة فكانوا اعواناً لها في بلادهم .
وخلاصة الدعوة كانت الثورة التحريرية الكبرى التي حملت العروة الوثقى لوائها الدعوة الى وحدة شرقية عامة تكفل لأمم الشرق حريتها وسيادتها وإيقاظ الوعي القومي في كل أمة حتى تجتمع كلمتها ويكون أمرها بيدها واعتبرت العروة الوثقى إن هذا الوعي القومي التي تدعو اليه منبعث عن الوعي الانساني الاخلاقي الذي يجعل المواطنين يشعرون بأن الامة في المكان الاول من الاعتبار وإن الشؤون الخاصة في المنزلة الثانية منه ويجعلهم يمدون أبصارهم الى مستقبل الامة في أوسع
آفاقه .هذا ما بدأه بالعدد الاول الذي صدر في13 اذار 1884 وكان بذلك يعلن مولد العمل الصحفي رغم انه لم يصدرمنه الا ثمانية عشر عدداً الا انه كان له دوي كبير في الشرق وجمال الدين الافغاني ترك الكثير من الدراسات والمقالات أضافة الى نص فريد عنوانه الرد على الدهريين والمرجح انه ولد عام 1838أما وفاته فكانت في عام 1897 بسبب داء السرطان كما قال البلاط العثماني ومسموماً كما قال أنصار الافغاني .
العروة الوثقى هي اصدارة فكرية ضيق عليها ومنعت من الصدور بعد فترة قصيرة ..بث فيها الافغاني مشروعه الفكري عن الجامعة الاسلامية والتوحد ضد الخطر الحقيقي وهو الاستعمار .