الاستفزاز والسلم .. وحوادث الاعتداء
د. صبري ربيحات
17-05-2019 12:42 AM
مساء الأربعاء أطلق الصحفي عمر كلاب وعبر وسائل التواصل الاجتماعي نداء استغاثة للأصدقاء والأجھزة الأمنیة عبر فیھ عن إحساسھ بالخطر نتیجة وقوع مشاجرة مع الجیران في أحد أحیاء مدینة عمان التي شھدت سلسلة من حوادث الاعتداءات والقتل خلال الأیام والأشھر الماضیة. أیا كان الموقف من النداء الذي أطلقھ الصدیق كلاب والردود التي توالت من مختلف الجھات والمشارب فإن لغة ومضمون النداء یؤشران إلى وجود خوف دفین وقلق وجودي لدى الناس في الأردن كما یعكس النداء والتعلیقات التي توالت علیھ مستوى من التوتر لا یجري الحدیث عنھ في المؤتمرات والتقاریر وجلسات بحث السیاسات والمستقبل.
في البقعة وعوجان والسلط والكرك ومادبا وسائر بلدات وأحیاء المملكة یمیل الناس إلى التعبیر العنیف عن غضبھم وإحباطھم وقھرھم. الكثیر من الأفراد لا یحملون اتجاھات إیجابیة نحو الغیر ممن یشاركھم الفضاء العام إلا إذا كان ھناك صلات قرابة أو معرفة بینھم. العشرات من الأشخاص قضوا في مشاجرات استخدمت فیھا الأسلحة الناریة. وعدد من البیوت والمحلات أضرمت بھا النیران فأتت على كل ما فیھا. الظاھرة لم تعد محصورة في قریة أو بلدة أو حي بعینھ فھي منتشرة على امتداد الفضاء المكاني والدیمغرافي الأردني. في كل الحالات تشكل العشیرة الخط الأول في الدفاع عن السلم المجتمعي وغالبا ما تتحرك بأدواتھا التقلیدیة لتطویق الحوادث ومنع تفاقمھا.
المدن والأحیاء الأردنیة لا تشبھ المدن ولا الأحیاء التي نراھا في العالم فھي غریبة في تكوینھا وبنیتھا وصلات أھالیھا. غالبیة الأحیاء تفتقر إلى البنى والمؤسسات والتنظیمات المدنیة الحقیقیة
التي تنعكس انشطتھا وبرامجھا على نوعیة الحیاة وجودة المرافق والخدمات وروح المكان وعلاقات الساكنین. بعض سكان الأحیاء الجدیدة یتفاخرون أنھم أمضوا سنوات طویلة في الحي دون التعرف على من یجاورھم في العمارة أو البنایات الملاصقة. والكثیر منھم ینظرون لغیرھم على أنھم عبء إضافي على المكان فلا یكترثون لراحتھم أو حقوقھم ومتطلباتھم.
الاعتداء على الشوارع والساحات والفضاء یحدث بشكل مستمر من قبل البعض دون أدنى اھتمام إلى مشاعر ومواقف الآخرین. عند تسییر الجاھات وفي احتفالات الخطبة وانطلاق مواكب الخریجین و الزواج یغلق المحتفلون الشوارع ومداخل بیوت الجیران دون استئذان أو اعتراض ویتقبل الجیران مثل ھذا الاعتداء بدافع المسایرة أو الخوف من التھدیدات وردود الأفعال وإمكانیة الانتقام المستقبلي إذا ما اشتكى الجار أو عبر عن عدم الرضا أو الاستیاء.
من الصعب أن تمر في بعض أحیاء العاصمة دون أن تجد خیمة عزاء أو اكثر نصبت في الشارع العام وأغلقتھ دون أدنى اعتبار لما قد ینجم عن ذلك من إعاقة وتعطیل لنشاطات الجیران ودونما تدخل من السلطات التي تدیر الفضاء العام بحجة التعاطف مع اسرة المتوفى.
بعض السواقین الذین یتعدون على حقوق غیرھم المروریة یرقبون ردود فعل ضحایا التعدیات ویحاصرونھم بنظرات للتأكد من اكتمال حالة الإذعان لتعدیاتھم في طقوس قلما تجد مثیلا لھا في ثقافات أخرى.
بالرغم من كل ما یقال عن الامن والامان والحكمة التي یتحلى بھا رجال الامن وخبراء فض النزاعات إلا أن ھناك قدرا من التوتر والاستفزاز الذي یجتاح الاحیاء والبلدات الأردنیة. في كل یوم یقع المزید من الاحداث وما نزال نعاني من غیاب البرامج التربویة والتعلیمیة والاجتماعیة للتنشئة المدنیة.
ما لم یحدث تدخل على مستوى بناء وتنظیم المجتمع فان الاوضاع مرشحة لمزید من التدھور. المعالجات التي تقوم بھا المؤسسات المعنیة بانفاذ القانون لا تساعد على تعزیز سیادتھ فھي تخضع للكثیر من المزاجیة والتسلیم لقوى العشائریة والمحسوبیة والاجتھادات التي یقوم بھا بعض من یدیرون الشأن العام.
الغد
السلم المجتمعي والأمن والأمان مفاھیم وشعارات تحتاج إلى المزید من المراجعة الموضوعیة
والقیاس في ضوء مؤشرات تتجاوز الخطابة والتبجح. فمن غیر الممكن ان یتوفر السلم
المجتمعي لأفراد یعیشون في مجتمع غاضب مدجج أعضاؤه بالسلاح الاوتوماتیكي ویسمع كل
یوم عن أحداث القتل والاعتداء والخروج على القانون.