71 عاماً على بدء المعركة .. اشارات على طريق المواجهة
عامر غزلان
17-05-2019 12:39 AM
لأني أفهم كيف تؤثر الكيمياء الحيوية على فهم الإنسان وجذب اهتمامه، وترتيب ما هو مهم للحديث في هذه الساعة عن ما هو أقل اهمية، أجد أن الحديث عن الأمور المهمة في اللحظات التي تكون فيها مجرد حديث "ساعة"، يهتم بها الناس كـ "حدث دوري" فرصة أكثر من كونها خلل في الإخلاص لها، أن الحديث حول ذكرى النكبة الفلسطينية بين أوساط الأردنيين اليوم يشي بغضب كبير، أغلب الأردنيين يلمسون اليوم أكثر من أي يوم مضى، أنهم معينيون في الأولوية في مواجهةالاسرائيليين، وحالة الذبول العربي تؤدي بنا لشعور بالتقصير، إلا أن طريق المواجهة طويل يصعد على أكتاف المواجهين المخلصين لا على المتهاربين مهما كان وزنهم. يصادف اليوم الذكرى ال 71 لاحتلال العصابات الصهيونية مدعومة بالمملكة البريطانية وحلفائها من مناصري الصهيونية في العالم -من مختلف أديانهم ومرجعياتهم-، لأراضينا في فلسطين، باستخدام أشنع وسائل التطهير العرقي والإبادة التي عرفها العالم طوال التاريخ، هُجِرَ فيها سكان فلسطين من أراضيهم، واحتلت سلطاتهم ومؤسساتهم، وأجهز على دولتهم الوليدة، وسلبت املاكهم، وقتلت محاربتهم وشردت أهاليهم وتحالفت كل القوى التي تدعم هذه الحركة الأبرتاتية الارهابية لمحاربتنا عسكريا وسياسيا وحضارياً وثقافية و "وعيّياً".
منذ ذلك اليوم ولهذا اليوم تمكن العدو الصهيوني من الاجهاز علينا عسكرياً، ولم يبقى له منافس يوازيه بالقوة التكنولوجية والنفوذ التحالفي في المنطقة، وتغيرت قواعد المواجهة العسكرية منذ تلك الأيام إلى اليوم، من رجاح كفة الغلبة للجيش الأكثر عددا وعتاداً، للجيش الأكثر تطوراً تكنلوجياً، والأوسع تحالفاً مع قوى العالم، وبقي الجزم في انتصاره محصوراً في هذا المستوى، الا أننا حضاريا وثقافيا ووعيا ما زلنا في الميدان، وفي طور المواجهة، ولدينا مجال في مواجهات أكبر معه، فلا مجال للقول أن العدو قد تجاوزنا وانتهى، فهذا حكم ذاتي على أنفسنا بالموت، بل إن المجال ما زال مفتوحاً للمواجهة والتي لنا فيها بحكم الجغرافيا والثروات والشرعية ميز تنافسية أكبر، هذا في الحسابات الدفترية، التي بامكاننا تطبيقها في الميدان.
يحاول العدو أن يتفوق علينا في الانجاز الحضاري، ومما لا شك فيه أنه ما زال هو المتقدم لغاية اللحظة، إلا ان طريق الحسم في مثل هذا النوع من المواجهات ليس سهلاً، وحسمه يتم عبر فترة زمنية طويلة، اعتقد أننا ما زلنا في بدايتها، وهذا المستوى من المواجهة تكون أدواته عملية واقعية، لا نوستاليجية، بالمزيد من العمل على بناء دولنا الوطنية الديمقراطية الحرة، التي تعبر عنا، وتهييء الظروف المناسبة لأبنائها لإظهار مواهبهم وقدراتهم في ظل الميز التنافسية التي نملكها في هذا المجال مثل الوفرة السكانية والموارد البشرية، لا عبر استحضار بطولات الأجداد ومنجزاتهم والشعور بالأفضلية بمنجزات لم نقم نحن بجزء واحد منها، أو القول بأننا قد حاربنا العدو عسكريا في أيام مضت، وقمنا بما علينا وكفى، طريق المواجهة هو نقد الذات وتطويرها، لا ملأها بالقصص والروايات عن المنجزات القديمة وتخديرها.
في المستوى الثقافي يحاول العدو طمس هويتنا الثقافية التي تثبت ملكيتنا السيادية والسياسية لهذه الأراضي، ويحاول أن يحوَّل صورتنا من مقاومين لإرهاب الاحتلال والظلم، للإرهابيين أنفسهم، إلا أنه يكون قريباً من أن يبوء بالفشل في كل محاولة لولا مساندتنا لجهوده باللاوعي، الاحتلال وصهيونيوته العالمية سعت طوال العقود الماضية لحصر صورة كل من يخالفها بالرأي، أو يقاوم احتلالها وظلمها بالسلاح المشروع، في رجل ملتحي في ثوب قصير أو صاحب عمامة أصوليان الفكر والمنهج، وهذا ما يبدو واضحا في كل البروبغندات الإعلامية التي تعمل هوليوود كمنصة عالمية لها، وهذا بشكل أو بآخر ما زال يضعف موقفنا في العالم، ويوقض مصداقيتنا في عقول الناس، لأن الصورة عنّا في عقول العالم ما زالت مشوشة حتى مع وجود كل وسائل الاتصال اليوم التي بامكان المنتبهين البحث من خلالها عنا، ما زالت الناس تخضع للصور النمطية التي ترسمها عن الآخر، وتحب أن تشعر بالشوفينية عليه، وهذا وقود للحركات اليمينية في دول العالم، وهكذا يتعامل معنا جزء كبير من المجتمع الدولي، مدنيين وصناع قرار، وكلمة الحق أن الدولة الأردنية وعلى رأسها الهاشميين قد سعو بجهاد الأنفس لتصحيح هذه الصورة، وقد قطع ملكنا عبد الله الثاني بن الحسين شوطاً طويلاً في هذه الطريق، وأسس لأدبيات جيدة في التعبير عنا، حري بنا الاستفادة منها كفرصة والبناء عليها لكي يكون الرأي العام العالمي في صالحنا، أو على الأقل نكون نحن طرف وازن في هذه المواجهة، يدفع للناس للبحث في الخطابات التي تصلها عنا والشك في كل منها.
لربما يكون جيداً اغتنام هذه الذكرى في الحديث عن قضية حربنا مع الاحتلال الاسرائيلي وأحلافه، كون نسبة المنتبهين للقضية في هذا اليوم أعلى منها في باقي الأيام، وهذا جيد، إلا أن المنطق يقول، ان واجبنا هو دوام تذكر أننا ما زلنا في خضام المواجهة، وأن حربنا مع المحتلين لم تنتهي بعد، وأن مصيرنا الذي يليق بأردنيتنا هو المواجهة المستمرة المتبوعة بالشجاعة والأمل حتى وإن كنا نحن الفئة القليلة.. والأيام أطول من أهلها.
amerghozlan@gmail.com