واضح لكل مراقب أن " الملك " مرتاح ومطمئن أوروبيا إزاء موقف المملكة مما يسمى بصفقة القرن , ولهذا فهو يعول كثيرا على جبهة أوروبية داعمة لهذا الموقف, وعن قناعة بأن ما يطرحه جلالته من مشروع للسلام , هو الحل الأمثل المنسجم مع قرارات الشرعية الدولية من جهة , ومع مبادرة السلام العربية الشهيرة من جهة ثانية .
ولهذا ووفقا لمقتضيات سياسة الواقع الذكية , فالملك يحاور أوروبيا بزخم كبير لإستنهاض موقف أوروبي داعم لمشروعه من ناحية , ومؤثر في السياسة الخارجية الأميركية حيال الشرق الأوسط والصفقة إياها من ناحية .
وفي سياق المحاورة والمناورة التي تتطلبها المرحلة الوشيكة الخطيرة , إستبق جلالته موعد إعلان الصفقة بإعلان لاءاته الثلاث الشهيرة , في مشهد فاجأ الإدارة الأميركية في جانب , وحشد رأيا عاما أردنيا موحدا حولها في جانب ثان , ورأيا عاما فلسطينيا وعربيا في جانب ثالث , وإستحسانا أوروبيا في جانب رابع .
الصفقة التي لم تعلن رسميا بعد , بدأ الطرف الأميركي يتحدث عنها بإعتبارها سيناريو سلام قابل للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين !, وهو حديث مستجد سبقه حديث مختلف ينطوي على إصرار أميركي على تطبيق الصفقة , وعلى نحو كان يشي لكل مراقب ومتابع بأن التطبيق أمر حتمي, مهما كان الموقف الفلسطيني والأردني والعربي , أي حتى لو كان الموقف بالرفض ! .
حوار" الملك " أوروبيا ومناورته السياسية حيال الطرف الآخر , ستكون لهما حتما نتائج إيجابية لجعل الصفقة مقترحا قابلا للنقاش بعد طرحها رسميا , ليس على الصعيد الفلسطيني والأردني والعربي فحسب , بل وعلى صعيد دولي وبالذات في العواصم الأوروبية ومعظمها ليست على قناعة بجدوى الصفقة كحل تاريخي للصراع في الشرق الأوسط .
دبلوماسية " الملك " الهادئة والمؤثرة لدى عواصم النفوذ الغربي بما فيها واشنطن , تؤكد أن الصفقة وحسب ما تسرب منها , من شأنها تأجيج العنف والصدام والكراهية, وبالتالي إذكاء روح المقاومة على نحو مستجد غير مسبوق , في حين أن مشروع جلالته المستند لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية , يؤسس لسلام تاريخي حقيقي ينهي وإلى الأبد, مبررات الصراع , ويمنح الأجيال أسبابا منطقية للقبول به , كحل يراعي مصالح جميع شعوب المنطقة بلا إستثناء .
الحوار المباشر والمناورة السياسية المطلوبة دائما وبالذات عندما تتقاطع المصالح وتشتد المخاطر وتتكاثر التحديات , هما مرتكزان رئيسان ذكيان في النهج السياسي للدول منذ فجر التاريخ . ومن هنا فجلالة الملك وبما يتوفر عليه من إدراك تام لنمط تفكير العالم الآخر وتشبثه بمصالحه الحيوية , يؤدي " ووحيدا " دورا سياسيا رائعا وحكيما وذكيا , فالصفقة لن تكون بعد اليوم " قدرا " محتوما , بل مشروعا قابلا للتفاوض والنقاش , وعندها فلكل حادث حديث . والله من وراء القصد .