قراءة نظريات الاعلام، ونماذجه وفلسفته، وشروط نجاح العملية الاتصالية، وما يتعلق بمواصفات المرسل والرسالة، ورجع الصدى والمهنية كل ذلك مطلوب وضروري للقائمين على العملية الاتصالية لصناعة رسالة مؤثرة تحقق الهدف. لكن تحقيق النجاح في العمل الاعلامي، بحسب اطره وأسسه وادارته، يرتهن بالدرجة الأولى الى وجود قاعدة مالية ومادية، تحقق الدخل المناسب للعاملين في الاعلام، وتضعهم بمكانتهم اللائقة في المجتمع كسلطة رابعة، وتوفر التمويل اللازم للافراد والمؤسسات للحصول على تكنولوجيا الاتصال وأدواته، من أحدث الاجهزة للمطابع ومحطات الراديو والتلفزيون والبرمجة وانظمة العمل الاعلامي وفنياته والتواصل المحلي والدولي.
إذن نجاح العمل الاعلامي مرهون بالمال وحسن ادارته، من خلال نوافذ لا تهمين على مضمون الرسالة–وقد يستحال ذلك–وهذا الأمر واضح الى حد بعيد عند دراسة نشوء الصحافة والعمل الاعلامي خاصة في العقود الاخيرة لان ثورة الاعلام تتلازم مع ثورة الاتصالات والمعدات الداخلة في اعماله الفنية والأهم تدريب وخلق مبدعين لانتاج الرسالة المؤثرة وبجودة تقنية عالية.
أين نحن من هذا؟
في جردة حساب تريد الدولة أو الحكومة مهنية عالية ورسالة تتماشى مع اهدافها وهيمنة على ادارة المؤسسات الاعلامية الكبرى وبنفس الوقت تُخفض ميزانيات الاعلام الرسمي وتجعل راتب الصحفي في أدنى سلم الرواتب وتتناسى ان رأتبه لا يكفي متطلبات العمل من مواصلات واتصالات وتتناسى ان الصحفي الحقيقي–على أقل تقدير–كل يومه عمل وليس موظفا لساعات محدودة، وانه يدفع صحته ثمنا كتعرضه للسكري والضغط وامراض القلب.
والحال الأدهى في مؤسسات الاعلام الخاص، الكبرى والمتوسطة وحتى الصغرى، فالعاملون يواجهون الأمرين من قلق وظيفي، ومستقبل غامض، ورواتب تضمحل، مع غلاء المعيشة، وتتراجع لانعدام الزيادة منذ سنوات، وان وجدت للبعض فهي دنانير معدودة، وتَبدل حال المؤسسات الكبرى من محققة للارباح الى مراكمة للخسائر، وهذا الحال أدى الى تراجع اعلامي واضح وغير مستقر، انعكس على المضامين والرسالة، في ظل انشغال كلي للمؤسسات الاعلامية بتأمين الرواتب دون الالتفات الى التطوير والمهنية التي ارتبطت هي الأخرى بما يريده الاخرون، وليس بما تريده الحقيقة والمهنية، فسار الاعلام في ركب الحكومات في الغالب والاشخاص ضمن بوتقة المصلحة الوظيفية وليس الدولة.
من يريد اعلاما داعما لرسالته واهدافه عليه بتامين التمويل لديمومة هذا الاعلام، فالدول، حتى في اعتى الديمقراطيات والمنادية بالحريات تُؤمن نوافذ تمويلية لاعلامها،ولا تفرض عليها الضرائب والرسوم لتكبل عملها وجعلها تنشغل بلقمة الخبز اكثر من انشغالها بالخبر وتحري الدقة والحقيقة والحرية.
ziadrab@yahoo.com
الرأي