التعديل الوزاري وعلم البيانات
السفير الدكتور موفق العجلوني
15-05-2019 12:17 AM
لا اعلم اطلاقاً و ليس لي معرفة كم نحن في الاردن نعي او نعرف ما يطلق عليه علم البيانات ( Data Science ) وهل مدارسنا و معاهدنا و جامعاتنا تدرس علم البيانات ، وهل مؤسساتنا والشركات الصغيرة و المتوسطة و الكبيرة و دوائرنا الرسمية ووزاراتنا تعي معنى علم البيانات و مجالات تطبيقها ، و هل مجلس الوزراء الموقر و التشكيل/ التعديل الوزاري الجديد ، و انشاء وزارة الاقتصاد الرقمي و الريادة ووزارة الادارة المحلية معني بعلم البيانات, و هل كل هذه الجهات تستنير بعلم البيانات و لديها اجهزة مختصة في دوائرها في علم البيانات و تجميع البيانات و فرزها و تحليلها ...!! سؤال برسم الاجابة؟
لا بد ان نبحر بمعاني علم البيانات و ان نخوض غمارها و نستكشف سرها وعمقها و مداخلها و مخارجها ونتائجها ، و مدى امتلاك وزارة الاقتصاد الرقمي و الريادة ووزارة الادارة المحلية لعلم البيانات تحقيقاً للرؤيا الاستشرافية لدولة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز والتي كانت أحد اسباب التعديل الوزاري الاخير بحيث يتم اغتنام الفرص غير المسبوقة التي يوفرها التطور في الاقتصاد الرقمي من خلال وضع السياسات الضرورية لبناء المهارات الرقمية لدى الشباب و توفير البنية التحتية اللازمة لهم ، و كل ما يخدم تطبيق مشروع الحكومة الالكترونية و انعكاسه على سرعة و تطور و جودة الخدمات التي يحتاجها المواطن الاردني و المستثمر على حد سواء .
هل هنالك علاقة بين الريادة والاقتصاد الرقمي من جهة وعلم البيانات من جهة اخرى، وهل ما تملكه هاتين الوزارتين ستقودنا الى الاقتصاد الرقمي والريادة والادارة المحلية واللامركزية الادارية، وهل لدينا خبراء في نظريات الريادة وعلم البيانات سوآء في هاتين الوزارتين او الوزارات الاخرى والتي هي بالنتيجة مكملة لبعضها في خدمة عملية النمو والتطور الشامل في الاردن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
هل ما تملكه وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة والادارة المحلية والوزارات الاخرى من بيانات وادوات الريادة ستساهم في بناء وإطلاق المنصات الرقمية، والمنظومة التشريعية والتمويلية والتحفيزية الضرورية لازدهار الريادة والابداع بحيث تلبي طموح الشباب الاردني صاحب الطاقات المخزونة والتي لم تسنح لها الفرص بإطلاق طاقاتها.
ذهب البعض بتشبيه علم البيانات بانه بترول القرن الواحد والعشرون كمصطلح تم استخدامه للدلالة على أهمية البيانات في العصر الحالي. وكما في حالة البترول الخام، لا يمكننا استعماله والاستفادة منه إلا في حال استخراجه وتكريره، وكذلك البيانات، لا يمكننا الاستفادة منها إلا في حالة تنقيبها وتحليلها واستخراج ما ينفع منها بحيث تستفيد منها وزاراتنا ومؤسساتنا الرسمية.
يبدوا ان الشركات قبل الحكومات أدركت مدى اهمية علم البيانات وبالتالي كانت هي السباقة في الاهتمام بهذه المصطلح الجديد، علاوة على ذلك أصبح لدى العديد من الافراد في مختلف المجالات الاهتمام بهذا المفهوم الجديد والذي انطلق الحديث عنه في عام ٢٠١٢. ومع مرور الوقت بدأ الاهتمام بهذا العلم أكثر فأكثر، وخاصة مع تعدد المصادر التي تتولد منها البيانات. ويبدوا ان الرئيس الرزاز أدرك أهمية علم البيانات وريادة الاعمال ومن هنا جاء تشكيل وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة ووزارة الادارة المحلية.
وللوقوف على مفهوم مصطلح - علم البيانات - والربط بينه وبين الاقتصاد الرقمي والريادة واللامركزية الادارية - لا بد لنا ان نحلل هذا المصطلح والمكون من كلمتين: العلم ومنهجية البحث العلمي والتعرف على كل واحدة منهما على حدى. فالعلم هو المعرفة التي يتم التوصل اليها من خلال الدراسة والممارسة والملاحظة المنظمة للأحداث والظروف الطبيعية من حولنا، من أجل اكتشاف حقائق عنها ومن أجل صياغة القوانين والمبادئ التي تعتمد على هذه الحقائق.
أما المنهج العلمي فيقوم العلماء والباحثين والدارسين باتباع المنهج العلمي في أبحاثهم من خلال عدة خطوات: السؤال/المشكلة، والملاحظة/البحث، ووضع الفرضية، والتجربة، واختبار صحة الفرضية، والتوصل إلى نتائج المعرفة العلمية.
أما البيانات فهي مجموعة من الحروف أو الكلمات أو الأرقام أو الرموز أو الصور المتعلقة بموضوع معين.
آما المعلومات فهي البيانات التي يتم تحليلها ومعالجتها بحيث تحمل معاني مرتبطة بسياق معين. وبالتالي نستخلص المعلومات عند تحديد سياق Context البيانات. بينما تتشكل المعرفة عند تحليل المعلومات ومعالجتها وربط عدة معلومات مع بعضها البعض. ثم تأتي لدينا عملية فهم التحليلات والتي تمثل عملية / التَبَصّر Insights وهي القدرة على فهم الحالة أو المشكلة بشكل دقيق وعميق ورؤيتها ودراستها من جميع الجوانب.
فعلم البيانات هو مجال واسع وخليط من عدة مجالات مرتبطة مع بعضها، يركز بشكل أساسي على معرفة وفهم البيانات التي تمتلكها وزارة او شركة أو مؤسسة معينة واستخدامها لحل مشكلة أو الإجابة عن أسئلة معينة أو تقديم توصيات ونصائح للإدارة لتحسين العمل أو تجنب للمشاكل وكل ذلك باتباع المنهجية العلمية المشار اليها اعلاه.
إن أي وزارة او شركة أو مؤسسة تسعى إلى تحسين مستوى أدائها لتصل الى مستوى الريادة المنشود، فإن “علم البيانات” هو الحل. وبالتالي فآن أهم الأسباب لنجاح المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى هو استخدامها للبيانات التي تمتلكها بأفضل طريقة.
وبالتالي يقوم علم البيانات Data science على استخدام الأساليب العلمية والمعالجات والخوارزميات والنظم لاستخراج المعرفة والأفكار من البيانات بشكليها سواء مهيكلة أو غير مُهيكلة .
الميزة الرئيسية لإدراج علم البيانات في أي مؤسسة هي تمكين و تمتين وتسهيل اتخاذ القرارات. يمكن للمؤسسات التي تضم خبراء او علماء في علم البيانات أن تأخذ بعين الاعتبار الأدلة الكمية المستندة إلى البيانات في قراراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويمكن أن تؤدي هذه القرارات المستندة إلى البيانات في نهاية المطاف إلى زيادة الربحية وتحسين الكفاءة التشغيلية وأداء العمل. وبالتالي يساعد علم البيانات في تحديد الجماهير المستهدفة وصقلها. ويمكن لعلم البيانات أن يساعد أيضًا في التوظيف: يمكن للمعالجة الداخلية للتطبيقات واختبارات الكفاءة والمهارات التي تعتمد على البيانات أن تساعد فريق الموارد البشرية التابع للوزارة او المؤسسة على القيام بتحديدات أسرع وأكثر دقة أثناء عملية التوظيف.
وعلى هذا النهج بدأت بعض الدّول العربيّة تتنبّه إلى أهميّة علم البيانات وتأثيرها على مُجتمعاتها، فراحت دول مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات الامارات العربية المتحدة ، على سبيل المثال لا الحصر، تتوجّه نحو إدماج سياسة البيانات في حوكمتها من أجل بناء مجتمعات تعتمد على المعرفة. وبالفعل طوّرت هذه الدول بوابة إلكترونيّة معنيّة بعرض البيانات المُتعلّقة بمجالات شتّى وبشكل رئيسي الصحة والتعليم والطاقة.
بدون علم البيانات لا نستطيع تحديد أيّاً من هذه الاحتمالات. فهذا العلم يفترض جمع أكبر عددٍ ممكن من البيانات واّتباع نماذج معيّنة قد تكون اقتصاديّة أو متعلقة بعملية اتخاذ القرارات، للتوصل بالنهاية إلى الحلّ الأنسب. أمّا من دون علم البيانات، فيعتمد اتخاذ القرار على آراء مضادة، بغض النظر عن مدى اطلاعها ، الامر الذي يودي الى نوع من التخبط و الضبابية .
وبالتالي على الحكومات أن تكثّف استخدامها لعلم البيانات لأنها من دونها لن تستطيع الحكومة توظيف مواردها العامة بالشكل الأمثل. بالإضافة إلى ذلك، على الحكومات أن تتخذ قرارات تصبّ في مصلحة مواطنيها، والطريقة الأفضل للقيام بذلك هي بالاعتماد على علم البيانات في عملية اتخاذ القرار.
في اللحظه التي تم الاعلان عن التعديل الوزاري الاخير وتشكيل وزارتين جديدتين تماشياً مع ما يحصل في العالم من تطور رقمي والسعي نحو الريادة في كافة الاعمال، خرجت علينا فوضى عارمة في الشارع الاردني ومن شخصيات تولت مناصب حكومية عديدة ومن قبل شخصيات عامة وصحفيين واعلاميين ورجال قانون حول قانونية هاتين الوزارتين. وان وزارة الدكتور الرزاز كأنها اقترفت جريمة وخالفت الدستور. وبدلاً من ان تتوجه الافكار نحو تقديم النصح والارشاد من ذوي الكفاءة والخبرة والمراس والدراية في مفهوم الاقتصاد الرقمي والريادة والادارة المحلية، بدأت عملية هجوم شبه منظم من اصحاب اجندة ربما شخصية او تعتقد انها صاحبة الاولية بتولي مناصب وزارية او طعن في توجهات الرئيس او مآرب اخري.
الوطن الان و في هذه المرحل بالذات و ما تواجهه المملكة من تحديات داخلية و خارجية ، بحاجة الى تكاتف الجميع بالوقوف خلف حكومة الدكتور الرزاز / حكومة المملكة الأردنية الهاشمية ومن منطلق: "المؤمن إذا اجتهد فأصاب فله اجران، وإذا اجتهد فأخطآ فله اجر واحد " . وبالتالي لا بد من ان تكون النوايا طيبة تجاه رئيس الحكومة، وان يكون النقد نقد بناء. وبكل اسف بدأ بعض المسؤولون السابقون بالدولة وكأنها عملية تصفية حسابات، وبدأ البعض الاخر يشعر انه الاحق بالمناصب الوزارية، والبعض الاخر لإبراز عضلاته. وكثرت الفتاوى، ووضع العصي في عجلات الحكومة، واي مبادرة او تصريح للرئيس الرزاز بدأ وكأنه فرصة للهجوم من قبل بعض الافراد او الجماعات، ولو اعطيت هذه الجماعات او هؤلاء الافرار نصيباً في التعديل الوزاري الاخير لكان موقفها كلياً مختلف. وقد شاهدنا نفر من الذين كانوا نواباً ومعارضة شديده، عندما تقلدوا مناصب حكومية سوآء وزارية او رئاسية انقلبوا موالين ٣٦٥ درجة.
لقد حان الوقت ان نقف خلف حكومة الدكتور عمر الرزاز / حكومة المملكة الاردنية الهاشمية، وفي اللحظة الى يشعر قائد الوطن ان هذه الحكومة حادت عن الطريق فأمورها سهلة وامر اقالتها لا يستغرق ساعات او دقائق.