انسنة الاعلام والنموذج الملكي في الرؤية
د. عدنان سعد الزعبي
14-05-2019 06:01 PM
تشرفت كأردني بطرح نظرية المسؤولية الانسانية كاطروحة علمية للدكتوراه وكنظرية تتناول مسؤولية الاعلام تجاه الانسانية جمعاء ، ، خاصة وأن الانسان اينما يسكن وحيثما يقيم، اصبح يتعامل مع الفضاء المفتوح الذي تخطى حدود المكان والزمان كمتلقي وكمرسل في آن واحد .
أي رسالة اعلامية تبثها وسائل الاعلام باشكالها و وسائلها المختلفة ( انترنت : فيس, واتسب , تويتر, انستغرام. يوتيوب ..الخ) يمكن لأي انسان اينما يسكن وحيثما يقيم أن يتلقى مثل هذه الرسائل ويتفاعل معهامتاثرا ومؤثرا . لهذا فإن تأثير وسائل الاعلام تجاه البشرية اصبح موجودا بشكله المباشر وغير المباشر وهذا ما غير الكثير الكثير من العادات و الانماط النفسية والسلوكية والمعرفية والوجدانية والفكرية الموجودة لدى الكثير الكثير من المجتمعات الانسانية على مستوى الافراد والاسر . .
تأطير السياسات الاعلامية لوسائل الاعلام بالمسؤولية الانسانية من حيث الخصائص والقيم والعادات والأولويات والثوابت واحترام التنوع في فكر الشعوب والتفاعل معها وخدمة البشرية ومواجهة تحدياتها والحفاظ على حقوق الانسان , ومواجهة التحديات البشرية والهيمنة واشكال الظلم والقتل والبطش الممارس من قبل دول على دول وتعزيز الحرية وتنمية الديمقراطية بالمجتمعات وتعزيز التفاعل بين المجتمعات وتقريب الحضارات والاديان والتركيز على العوامل الجامعة والبعد عن عناصر الفرقة وتعزيز التشاركية ولغة التعبير الحقيقي ، كلها مبادىء اساسية في النظرية الانسانية التي وجدت لتظهر فشل الاعلام في تحقيق اهدافه ودوره في حماية الانسان والمجتمعات وعدم قدرته على الدفاع عن المجتمعات كما صورتها نظرية المسؤوليةالاجتماعية ،و لم تحقق المفهوم المتوازن للحرية الذي تحدث عنه جون لوك في القرون الوسطى . الانسانيون هم جماعات مميزة ظهرت عبر التاريخ وخاصة في اروبا ومنذ القرن الثالث عشر تجلت هذه الجماعات في الثورة الفرنسية وما قبلها ونادت باحترام حقوق الانسان وخاصة الحرية المتوازنة .
فشل نظريات الحرية التي تطبقها وسائل الاعلام الغربي في تحقيق النزاهة والشفافية وحماية الانسان ومواجهة دول الطغيان والهيمنة والسيطرة والقتل والتشريد وكشفها للحقائق المنشرة على الواقع , شجع الدول ومراكز القوى على شراء هذه الوسائل وتحوير مهنتها الى مطالب وكذب وتضليل وتغيير للحقائق ؛ دفع بخروج هذه الوسائل والادوات من مهنية الاعلام واهدافه واخلاقياته الى ادوات تتبع اصحاب المال والنفوذ . فالاعلام الغربي تحول من اعلام انساني الى إعلام دول وأحزاب وفئات وممولين , مما اخرجه عن فلسفته ودوره الحقيقي إلى وسيلة يتحكم بها كل من يملك المال والنفوذ. وهكذا تحول الاعلاميون الى سعاة بريد لنقل الاخبار لا مهنيين يؤمنون بألمهنة واخلاقها . وأمثلتنا على ذلك ما حدث في العراق وسوريا عندما روج اعلامها كذبة امريكيا الكذبة حول اسلحة الدمار الشامل .وهو الذي عبرت عنه (ما دلين اولبرايت) بالقول اننا جمعنا العالم للحرب على العراق من خلال مجلس الامن و(CNN).
لقد كان الملك من النماذج العالمية الذي تحدث بالمفاهيم الانسانية والنموذج الانساني على المستويات السياسية والاعلامية , والجوائز العالمية التي حصل عليها كانت بمثابة تعبير عن الفكر الملكي الاعلامي العالمي الانساني الذي يؤمن بتقارب الحضارات وانصهار الاديان والولوج بالقواسم المشتركة لتوحيد الجهود والدفع لمعالجة المشاكل الانسانية وتحديات الشعوب والمجتمعات بالحوار والشرعية الدولية والقوانين المتعلقة بالامم المتحدة , واحترام الاديان والشعوب وخصائصها وحضاراتها والشخصيات العامة الدولية وعدم الاساءة واحترام الاخرين فكرا ورأيا ومواقف . لقد درست كل كتب التكليف ورسائل الملك ولقاءاته وخطاباته وخاصة الدولية ووجدت ان النموذج الملكي تنبه مسبقا إ لى دور الاعلام في مسؤوليته تجاه الانسان والانسانية . غير أن الاعلام الاردني لا ينتمي بتطبيقاته الى هذه المدرسة التي تحدث عنها الملك في رؤياه الاعلامية الممعلنة عام 2003 ونتج عنها تغييرات ايجابية بعهد دولة فيصل الفايز لنجدها تلغى وتتراجع بعد خروج الفايز من الحكومة .
وعندما قمت بالدراسة الميدانية عن توفر المبادىء الانسانية في سياسات وسائلنا الاعلامية وجدتها في مرحلة الضعف الشديد رغم ان هذه المبادىء تمثل رؤية الملك الاعلامية .
اعلامنا الاردني يحتاج إلى اعادة الفك والتركيب من جديد ولتكن البداية من كليات الاعلام في الجامعات ومضامين الخطط التدريسية والكادر التدريسي الذي يحتاج الى التعمق بالاعلام الاردني وثوابته واستراتيجية الدولة واهدافها المستقبلية , كذلك الاعلام الجديد (الرقمي) الذي اصبح هو السائد في العالم . وتكثيف الدراسات عن آثاره وإمكانياته ووضع البرامج لمواجهة سلبياته ؟ وتوجيه الطلبة للتعمق بذلك بالبحث الميداني ونشر الدراسات بسلبياتها وإيجابيتها بالضبط كما تم في فرنسا وبريطانيا الان .
الحكومة و النقابة مسؤولتين عن وضع الاستراتيجية الاعلامية وتأهيل الاعلاميين وتدريبهم للنهوض بالمستوى الفكري والادائي تجاه الرؤية الملكية للإعلام , والارتفاء بمستوى الناطقين كأدوات للاعلام الحكومي والارتقاء بمستوى اداء مؤسسات الاعلام الحكومي لتصبح مؤسسات دولة , وعندها سنجد انفسنا قد خرجنا من عنق الزجاجة وبدأنا النهوض خاصة وان ارتقينا بمفهوم التربية الاعلامية التي تزرع في اذهنةجيل الشباب مفهوم الاستخدام الامثل لوسائل التواصل الاجتماعي واحترام مسؤوليتهم تجاه المجتمع وبمشاركة مختلف وسائل التوجية والارشاد والتثقيف المنشرة في المملكة . والبعد عن القوانين والانظمة القمعية التي نعيد تكرار المواد الموجوده في قوانين اخرى عندما نريد الحديث عن مكافحة الجرائم الالكترونية وعدم الخلط بين الجانب الفني والجانب الفكري فيها ، فهذا يؤثر على مستوياتنا في الحرية والديمقراطية في المقاييس العالمية .