معاهدة السلام الروسية اليابانية
د.حسام العتوم
14-05-2019 12:02 PM
اليابان دولة فوق البحر وسط المحيط الهاديء، وامبراطورية متجذرة حكمها 125 امبراطوراً، والحالي هو ناروهيتو، وتتوزع جغرافياً بين الجبال والجزر، وفي مقدمتها جبل فوجي أكثر من 3 آلاف متر من حيث الإرتفاع، وآلاف الجزر والتي في مقدمتها (هونشو، وهوكايدو، وكيوشو، وشيكوكو) ، ولليابان علاقات تاريخية مع كل من امريكا وروسيا فهي ترتبط مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1791، ومع روسيا القيصرية عندما كانت تسيطر على جزر الكوريل، منذ القرن التاسع عشر، مثل ( كوناشير، ايتوروب، هامبوماي، وشيكوتان)، والملفت للإنتباه هنا هو ان اليابان في الحرب العالمية الأولى 1914/1918، أعلنت الحرب على الامبراطورية الألمانية، وفي الحرب العالمية الثانية (العظمى) 1941/1945 ، وقفت مع المانيا وواجهت الاتحاد السوفيتي معلنةً الحرب عليه، فعوقبت مرتان، بواسطة احتلال السوفييت المنتصرين في الحرب لجزر الكوريل، وهو الذي لا يشبه احتلال اسرائيل لأراضي العرب كما يحلو للبعض أن يشيع ويروّج، والاحتلال السوفييتي جرى دفاعاً عن النفس وظهر بصفة السيطرة وتعليم درس تاريخي لأي جهة تتطاول حينها، وعبر ضربةً نوويةٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ في المقابل لمدينتي (هيروشيما)، (وناكازاكي)، لا زالت تعتبر الأولى منذ بدايات التاريخ المعاصر وصناعة القنبلة النووية أمريكياً عام 1941، وبالتعاون مع بريطانيا وحتى الساعة، في زمن لم يمتلكها السوفييت وأعلنوا بأنهم لو امتلكوها لما استخدموها لأسباب أخلاقية إنسانية.
وللمقارنة فقط هنا، نستطيع أن نسجل بأن احتلال الجزر اليابانية سوفيتياً كنتيجة للحرب العالمية الثانية التي خسرتها اليابان كان أخف وطئة من القنبلتين النوويتين الأمريكيتين على اليابان بكل تأكيد، وهما اللتين تسببا بكارثة بشرية عام 1945، تحت شيفرة (الولد الصغير) بقتل أكثر من 220 الف مواطن ياباني، وخلفَ إعاقات انسانيةٍ ووفيات سرطانيةٍ لا زالت آثارها تتكرر حتى يومنا هذا، وإنذار ( بوتسدام) الذي قاده الرئيس الأمريكي هاري ترومان عام 1945 ، حذر اليابان ودعاها لرفع راية الاستسلام آنذاك من دون الإشارة لطريقة التحذير.
والعلاقات الروسية اليابانية بالمناسبة متطورة، وحجم التبادل التجاري وصل الى 30 مليار دولار، وزيارات رسمية متبادلة شهدتها العاصمتين( موسكو وطوكيو)، وزيارة الرئيس فلاديمير بوتين لطوكيو عام 2016 كانت هامة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بزيارة رئيس وزراء اليابان شينزو آبي لموسكو قبل ذلك عام 2013، ودورهما في البحث عن سلام دائم عبر معاهدة سلام طال انتظارها منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية 1945، وتوقع ياباني أعلنه وزير خارجيتها (كونو) بأنَ بوتين سيزور اليابان مجدداً في شهر حزيران الحالي2019 لترتيب اوراق السلام التي ُتعد في البلدين الجارين روسيا واليابان على نار هادئة، وإصرار روسي عالي المستوى بضرورة الوصول إلى سلام دائم مع اليابان من دون شروط مسبقة على خلفية جزر الكوريل هذه.
وسبق للخارجية الروسية عبر الناطقة الرسمية ماريا زاخاروفا أن اعلنت عام 2018، بأن موقف روسيا ثابت من اليابان بشأن جزر الكوريل، وفق اتفاق التجارة الثنائية لعام 1855، وبأن الجزر اصبحت في عهدة الاتحاد السوفييتي وروسيا المعاصرة، والقانون الدولي.
وتواصل اليابان مساعيها الدؤوبة عبر رئيس وزرائها آبي بالوصول الى معاهدة سلام مع روسيا على أساس إعلان 1956. وما يقلق روسيا ويدعوها للتمسك بجزر الكوريل أكثر هو إغلاق الطريق أمام احتمال ان تسمح اليابان لشبكات الصورايخ البالستية ومنها النووية الأمريكية من العمل وسط الجزر حالة مجرد التفكير بإعادتها الى اليابان، وهو الأمر الذي اصبح مستحيلاً في تفكير موسكو.
وروسيا لا يمكنها اغفال استمرار تحرك نيران الحرب الباردة، وسباق التسلح، والعقوبات الاقتصادية، واندلاع الازمات الدولية من طرف الغرب الأمريكي، رغم انها ترفض بقوة مجمل أركان الحرب الباردة، وتدعو للتعاون الدولي، ولترسيخ عالمٍ متعدد الأقطاب ومتوازن، وأكثر آماناً واستقراراً.
والنتيجة الممكن الوصول لها هنا هو بأن روسيا المعاصرة لن تعيد ما حصل عليه السوفييت بقيادتها من جزر إبان الحرب خاصة وإنها لم تمارس الاحتلال، وإنما وصلت الى نتيجة حرب فرضت عليها، والسوفييت لم يحتلوا المانيا (ادولف هتلر) رغم عدوانها عليهم، وكان بإمكانهم ذلك وقتها.
لكن روسيا جاهزة للتعامل مع اليابان على كافة المستويات على أرض الجزر ومن دون اي لهجة عدائية، وأي تصريح ياباني غير مناسب من شأنه توتير العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كما حصل مؤخراً إثرَ استدعاء السفير الياباني في موسكو هذا العام 2019، لمطالبته بدفع تعويضات عن الجزر بإسم اليابان، ولا توازن عسكري يذكر بين اليابان وروسيا بطبيعة الحال، وميزانه يميل بقوة لصالح موسكو بكل تأكيد، ولا قبول للاستقواء، والحوار المتدرج هو الحل لسلام دائم عادل يضمن بقاء العلاقات السياسية، والدبلوماسية، والاقتصادية، متطورة، والاستماع يابانياً لموسكو أمر هام من دون الذهاب لأطماع خيالية.