في زمن المواصلات الرخيصة، وخصوصا على الخطوط القصيرة، كان ينبه (الكنترول) سائق الباص عند مشاهدة راكب محتمل: ''جيب هالبريزة''..كان يستوقفني هذا اللفظ، فهو ينظر للانسان المحترم ..على انه ''بريزة'' لا أكثر، هكذا يراه،فهكذا قيمه..
أطباء، مهندسون، طلاب، متقاعدون آباء، معلمون، ما هم سوى ''برايز'' تمشي على الأرض..كلما سمعت احدهم يقول لسائق الباص'' جيب هالبريزة'' ..كنت أتلمس رأسي،أتأكد من استدارته، فأكتشف أني فعلا بريزة حقيقية..فوجهي ''صورة'' وظهري ''كتابة''، أتقلب في الفضاء مائة مرة حسب قوة الإبهام (أداة الرهان) .. وأسقط حسب جاذبية كف (المراهن)...
***
لن ابتعد كثيرا عن الفكرة الرئيسية : (قيمة الإنسان في مجتمعنا) ، مثال آخر على تدني تلك القيمة.. عند الاندهاش، او الإعجاب، او الشروع في تهديد..يطلق الشباب عبارة ''اخو الشلن''!!..وهذا ايضا تقييم رخيص لآدمية الانسان..وحسب المثالين السابقين فإن المواطن الوقور: ''بريزة''..والأقل وقارا ''اخو شلن''..اما اذا كان سيء الخلق والمعشر فهو ''بسواش قرش''...واذا دخل التحدي ولم ينسحب أمام العقلية البلطجية مدافعا عن حقه ..فكل رأسماله ''فنجان قهوة''...
بالملخص هذه سيرة المواطن من نظرة ''مجتمع العضلات''..اذا كان محترما فهو يساوي بريزة..واذا ناقش فهو ''اخو شلن'' ..واذا تشاجر ودافع عن حقه ''فرأسه بفنجان قهوة''..
هل بقي أي داع للتساؤل عن أسباب هذا ''النزق'' الاجتماعي، وعن انفلونزا ''الهوشات'' التي ينتقل فيروسها ''بالجحر'' و''العنترية'' من قرية الى قرية ومن مدينة الى مدينة، وما تسببت عنه من إصابات وضحايا وخسائر قبل العيد وأثناء العيد وبعد العيد.
غياب ''الإيمان الحقيقي'' بمعناه المطلق: ..الايمان بالآخر، الأيمان بالحوار..بقيمة الانسان..الايمان بالقانون، بالقضاء العادل..هو سبب هذا الفلتان...نحن بحاجة ان نعيد ''القيمة الانسانية للانسان'' ..وبشكل عاجل قبل ان يسقط سقف الكون.
ahmedalzoubi@hotmail.com