لسنا بمنأى عن الكارثة إن وقعت، أعني حربا ضد إیران. الولایات المتحدة تحشد أساطیلھا في میاه الخلیج العربي، وتقول إدارتھا إن لدیھا معلومات استخباریة بنیة طھران تنفیذ أعمال عدائیة ضد حلفائھا في المنطقة، بعد تشدید العقوبات الاقتصادیة علیھا.
أعمال التخریب التي طالت ناقلات نفط سعودیة وإماراتیة في الیومین الأخیرین، قد تكون ذریعة كافیة لاستھداف مصالح إیرانیة. وإذا ما واصلت إیران تصعیدھا في الملف النووي وذھبت بعیدا في تخصیب الیورانیوم، أو أقدمت على تنفیذ تھدیداتھا بإغلاق مضیق ھرمز، فإن شروط المواجھة العسكریة تكون قد توفرت بالنسبة لفریق ترامب المتعطش لشن حرب على إیران.
إسرائیل في قلب المعادلة، وحكومة نتنیاھو قید التشكیل ترید الحرب أمس قبل الیوم. في دائرة الرئیس الأمیركي تلاشت تماما أصوات الحكمة والتعقل، وحلت مكانھا دعوات التصعید والنفیر.
لأشھر قلیلة ماضیة لم یكن احتمال الحرب في الإقلیم واردا في حسابات صانع القرار الأردني. كان التقییم السائد ھنا وفي عواصم أخرى یستبعد فرضیة المواجھة العسكریة مع استمرار التصعید الدبلوماسي وتشدید العقوبات الاقتصادیة. الوضع تغیر كلیا في غضون أسابیع قلیلة، فالحشود العسكریة والتسخین المبرمج لمسرح الأحداث ینبئ بما ھو أسوأ.
وحسب تقدیرات خبراء غربیون فإن المواجھة معلقة على حادث عابر أو خطأ في الحسابات من أحد الطرفین. خطأ كھذا سیكلف المنطقة، إذا ما توسعت دائرة المواجھة، أضعاف ما كلفت حرب الخلیج في المرتین. إیران ستخوض معركة حیاة أو موت، وتستخدم أقصى قدراتھا العسكریة وفي كل الساحات لرد الھجوم الأمیركي. ستضرب في كل مكان تطالھ صواریخھا العابرة.
مجرد احتكاك عسكري سیقفز بأسعار النفط إلى معدلات قیاسیة، وسیجد الأردن نفسھ أمام معادلة سعریة لایمكن احتمالھا. أجواء الحرب ستخیم على المنطقة برمتھا، وتجعل الاستقرار كشرط للتنمیة والاستثمار والازدھار حلما بعید المنال.
ماذا لو جن جنون طھران من ضربات أمیركیة موجعة، فقررت الرد في عمق الدول الخلیجیة؟ النتیجة مأساة إنسانیة، وانھیار اقتصادي یقضي على اقتصادیات دول المنطقة، وفقدان مئات الآلاف لوظائفھم ھناك.
ھذه احتمالات كارثیة لا ینبغي تجاھلھا. تجارب الماضي القریب في منطقتنا تنبئنا بأفظع التوقعات. من كان یعتقد أن كارثة كغزو العراق للكویت یمكن أن تقع وتجلب معھا كل تلك الكوارث؟ ومن تصور یوما أن العراق سیشھد غزوا واحتلالا یخلف ملایین الضحایا وترلیونات الخسائر المادیة؟
لم یتصد مركز بحثي لغایة الآن لدراسة تأثیر حربي الخلیج الأولى والثانیة على الأردن وتقدیر حجم الخسائر التي تكبدناھا، وما تزال آثارھا ماثلة حتى یومنا ھذا. المؤكد أن الحصیلة ستكون مرعبة وثقیلة. لكن مھما بلغ حجم الخسائر، فلن یعادل ربع ما سنتكبده في حال وقعت الحرب على إیران، لأننا أمام مواجھة كونیة بالمعاییر العسكریة والاقتصادیة والسیاسیة، ستھز وجود الدول والأنظمة، وتضع خریطة المنطقة على الطاولة من جدید.
كان الرھان دوما على القوى الكبرى لمنع انزلاق الدول للحرب. القوة العظمى في العالم الیوم ھي التي تقرع طبول الحرب، فعلى ماذا نراھن لدرء الكارثة؟
الغد