تعالت الأصوات في العالم العربي مطالبة بـ"أنسنة الإعلام" إثر حالات اللجوء والحروب الأهلية وما أطلق عليه الربيع العربي. فالأنسنة تقضي بوضع الوازع الإنساني أمام الاعتبارات الأخرى. فالاعتبارات السياسية والدينية والعرقية والاقتصادية لا يجوز أن تطغى على المسألة الإنسانية بأي شكل كان. للإعلام وظيفة إنسانية كبرى لا يجوز إغفالها.
اللجوء الإنساني الكبير في القرن العشرين، ينبغي أن يضع الإعلام أمام مسؤولياته الإنسانية والاجتماعية. ويفترض التذكير بهذه الوظيفة الحضارية باستمرار لتكون أمام أعين الإعلاميين على مستوى الوطن العربي وفي العالم. وهذا ما حدث فعلاً عندما فتحت دولة الكويت ملف "أنسنة الإعلام" شاركت فيه الأردن بحضور شبابي كبير من الإعلاميين الشباب وطلبة الجامعات ومنها طلبة كلية الإعلام بجامعة البترا. الكويت التي اشتهرت بحرية الإعلام على مستوى الخليج والعالم العربي ما زالت تتحمل المسؤولية في إعلاء مبدأ " المسؤولية الإنسانية" للإعلام.
ماذا نعني بالأنسنة، أو أنسنة الإعلام؟
ـ أن يقف الإعلام عند مسؤولياته في مواجهة اتجاهات التطرف والعنف الاجتماعي العرقي والديني والطائفي والعشائري.
ـ أن يتحدى الإعلام ويواجه محاولات حرفه عن واجباته ووظائفه ومسؤولياته.
ـ أن يقف الإعلام في صف الإنسان أينما كان بغض النظر عن موقف دولته السياسي أو الاقتصادي، فخير البشرية والإنسان هو هدف إنساني كبير.
ـ أن يقف الإعلام ضد التضليل والكذب والفساد، وأن يكون رقيباً على الحياة والواقع والحكومات والشعوب.
ـ أن يوصل الإعلام الرسائل الصادقة والموضوعية والحقيقية للمواطن وأن يرى المسائل بعيونه، على اعتبار أن الإعلام له وظيفة مجتمعية في إدارة المجتمعات لما فيه خدمة المواطنة الفاعلة.
الإعلام بكل أشكاله المجتمعي والخاص التجاري والعام (إعلام الدولة) لا يجوز أن يحيد عن وظيفته الإنسانية هذه. فما الخير في إعلام لا يصدق جمهوره أو يقوم بتضليله. أزمة الثقة بين الإعلام والمواطن دفعت المواطن الى الرحيل نحو الإشاعة وإلى منصات التواصل الاجتماعي وتدوينات الصحف والمجلات الالكترونية عبر الإنترنت. تطوّرت أزمة الثقة لتصل إلى مستويات متعددة ومنها حالة القطيعة التي أدت إلى انهيار الصحف المطبوعة وكثير من شبكات المحطات الإذاعية والتلفزيونية. ومثال على انهيار الشعبية وهبوط المشاهدة إلى أدنى مستوياتها ما حدث مع قنوات الجزيرة القطرية التي سقطت سقوطاً مدوياً بسبب فقدانها لبوصلة "الإنسان والإعلام"، وعندما صارت السياسة والتلاعب أهم من الإنسان وقضاياه. فانهارت مصداقية الجزيرة وقطر والمنظمات الدينية التي تدعمها، وهبطت المشاهدة من مائة مليون في زمن الربيع العربي إلى مليون أو مليوني مشاهد.
لا بد من مراجعة الإعلام لحساباته. وإذا بقيت المصالح الانتهازية القائمة على التحريض والتضليل والابتزاز هي الأساس في آليات عمل الإعلام، فإن البشرية جمعاء في خطر، والإنسان إلى ضياع، والتعايش الإنساني إلى الهاوية، والتطرف والعنف يطاردان الإنسان إلى حتفه. نحن بحاجة ماسة لربط الإعلام بالناس وأنسنته سيعود على الإعلام بالنفع. دون الإنسان واحترام قضاياه وحقوقه لا استمرارية لوسائل الإعلام.. ولا حياة. (د. تيسير المشارقة/جامعة البترا/كلية الإعلام)