الإجراء اللازم لمواجهة تعاطي المخدرات
أسامة الشريف
13-05-2019 03:41 PM
من أكثر النتائج المثيرة للقلق في استطلاع أصداء بي سي دبليو لرأي الشباب العربي هذا العام هو ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات بين الشباب العربي؛ حيث أعرب غالبية المشاركين في الاستطلاع (بنسبة 57%) عن اعتقادهم بأن عدد الشباب الذين يتعاطون المخدرات في بلدانهم آخذ في الارتفاع. وتجلى ذلك بشكل خاص بين شباب دول شرق المتوسط، حيث قال 76% منهم إن تعاطي المخدرات آخذ في الازدياد، وبلغت هذه النسبة في شمال إفريقيا 59%، في حين بالكاد تجاوزت الثلث (36%) بين شباب دول مجلس التعاون الخليجي.
وترتبط هذه الأرقام بسهولة الحصول على المخدرات؛ حيث يقول 32% فقط من شباب منطقة دول مجلس التعاون الخليجي أنه من السهل الحصول على المخدرات في بلدانهم، مقارنةً مع 68% في دول شمال أفريقيا، و70% في دول شرق المتوسط.
وفي حين تفرض معظم الدول العربية قوانين صارمة بحق تجار المخدرات وإلى حد أقل بحق المتعاطين، إلا أن قليلاً فقط من الدراسات توضح بشكل قاطع كيفية التعامل مع هذه المشكلة. ولا يكفي فرض قوانين أكثر صرامة لمواجهة هذا التحدي – وإنما هناك ضرورة ملحة للنظر إليه من زاوية اجتماعية واقتصادية بل وحتى سياسية.
علاوة على ذلك، تعتبر المخدرات مشكلة عالمية لا يمكن لأي بلد التعامل معها بمفرده. ويعد كل بلد أو إقليم حالة خاصة تختلف عن غيرها، فالعوامل التي تساهم في ارتفاع معدل تعاطي المخدرات في الأردن مثلاً تختلف عنها في دولة الإمارات.
وتدعم نتائج استطلاع أصداء بي سي دبليو لرأي الشباب العربي دراسات أخرى حول تعاطي المخدرات في المنطقة، حيث كشفت إحدى هذه الدراسات أنّ تعاطي المخدرات في الأردن ارتفع بنسبة 32% في عام 2018 مقارنةً بالعام السابق، وهذه إحصائية مقلقة بما يكفي لدق ناقوس الخطر في الأردن. وإذا أمعنا النظر في الحالة الأردنية، سنجد أن المملكة تحولت على مر السنوات من بوابة أو ممر لتهريب المخدرات إلى الدول المجاورة إلى وجهة للتعاطي وحتى تصنيع المخدرات.
وأوضحت دراسات أخرى أن تعاطي العقاقير الموصوفة طبياً آخذ في الازدياد بين الشباب في المناطق الفقيرة من العاصمة الأردنية عمّان. وبات إدمان المخدرات الآن مشكلة حقيقية في المملكة تستوجب بحثاً أعمق في الأسباب والعلاجات الممكنة.
وفي العام الماضي، أشارت وزارة التضامن الاجتماعي المصرية إلى أن معدل إدمان المخدرات في مصر بلغ 10% (9,6 مليون شخص) - أي ضعف المعدل العالمي. وكشف تقرير صادر عن الوزارة أن نحو 8% من طلبة المدارس الثانوية يتعاطون المخدرات، في حين أظهرت دراسة أجراها “صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي” عام 2017 أن 10% من متعاطي المخدرات هم أطفال أو شباب ضمن الفئة العمرية 19-12 عاماً.
وفي حين يتم الكشف عن الأرقام المتعلقة بعدد متعاطي المخدرات، تندر الدراسات التي تركز على الدوافع وراء ارتفاع هذه الظاهرة بين الشباب. وفي هذا الصدد، يضيف استطلاع رأي الشباب العربي قيمة حقيقية، حيث يكشف لنا أن 62% من المشاركين فيه قالوا أن ضغط الأقران هو الدافع الرئيسي لتعاطي المخدرات، وأن الشباب يبدأون ذلك في المدرسة أو العمل بتشجيع من الأصدقاء.
أما عن أسباب تعاطي المخدرات في المقام الأول، فتتمثل الأسباب الأربعة الرئيسية في إزالة الضغط والتوتر (45%)، والملل (43%)، وسهولة الحصول على المخدرات (43%)، وقلة الخيارات الترفيهية (41%).
وفي حين يتعين على الدول التعاون لمكافحة العوامل العالمية المساعدة على تعاطي المخدرات مثل عصابات تجارة وتهريب المخدرات العابرة للحدود، إلا أنها تحتاج أيضاً إلى وضع حلول قصيرة وطويلة الأمد للحد من ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات بين الشباب. وفي عام 2015، أعلن المركز الوطني للتأهيل في دولة الإمارات العربية المتحدة أن إدمان المخدرات يكلف الدولة 1,49 مليار دولار أمريكي سنوياً، وأن 6,1 من كل مليون شخص فقدوا حياتهم نتيجة تعاطي المخدرات مقارنةً مع 4,5 من كل مليون شخص في عام 2013. وفي عام 2018، أعلنت شرطة الشارقة أن معدل استخدام عقاقير الهلوسة ارتفع في دولة الإمارات.
وبما أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 - 29 عاماً يشكلون ما يزيد على 100 مليون نسمة من سكان المنطقة العربية، لذا فإن ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات يشكل تحدياً أساسياً مباشراً لجميع الحكومات العربية. ويبدو من غير الواضح كيفية مواجهة هذا التحدي مع أن الشباب العربي يتفقون على أهمية المعالجة القانونية: حيث يرى 63% ممن شملهم الاستطلاع ضرورة فرض قوانين أكثر صرامة للتعامل مع ارتفاع معدلات تعاطي المخدرات، في حين دعا 58% إلى تفعيل تطبيق القانون بشكل أكبر. كما يدعو الكثير من الشباب العربي إلى اتباع نهج أكثر ليونة، حيث يحث 54% منهم على رفع درجة الوعي بالآثار السلبية لتعاطي المخدرات، ويدعو50% إلى توفير المزيد من خدمات إعادة التأهيل وتقديم المشورة.
لمكافحة المجتمع هذه الظاهرة الخطيرة، لا بد من تضافر جهود جميع فئات المجتمع مع ضرورة التركيز على استهداف الشباب في الأماكن التي يمكن نشر هذه الرسالة فيها على نطاق واسع، ولا سيما المدارس والجامعات.
وقد يكون هذا الأمر في استطاعة الدول الغنية أن تقوم به، ولكنه يشكل تحدياً حقيقياً للدول الأخرى مع ما قد يفرضه ذلك من ضرورة إيجاد تمويل إضافي للأنشطة الرياضية واللا صفية. ولكن لا يمكن أن نتوقع من الحكومات بذل كل تلك الجهود وحدها، وإنما يجب على منظمات المجتمع المدني تحمل جانب من المسؤولية أيضاً. وستحتاج الأسر كذلك إلى التوجيه والإرشاد للعمل بشكل فاعل مع الأطفال الذين يواجهون ضغوطاً قوية من أقرانهم وغيرها من العوامل الأخرى التي قد تؤدي بهم في نهاية المطاف إلى تعاطي المخدرات.