حديث أهل الكرك عن السياسة ليس بجديد، كل شيء هناك مسيّس، يحتاج الأمر إلى اجتهاد في التفسير والتعليل والقراءة. الجهمور الكركي مثقف وعلى وعي ومدرك ما يدور حول البلاد والإقليم، وكذلك ربما بقية مدن المملكة لا ينقصها الوعي ولا هي أقل من الكرك.

لكن في مؤاب التاريخ تفتخر بتاريخها المقاوم للعبور اليهودي ايام الملك ميشع، والتي حرك التعديل الحكومي شهوة الجمهور فيها للحديث عن سياقاته، نجد أن ثمة من ربط بين التعديل وصفقة القرن، وبين من ربطه بشخص رئيس الحكومة، وثمة من يراه أمرا عاديا في مسيرة حكومة الرزاز.

السياق الموازي للحديث عن التعديل كان عن عمدة المدينة ورئيس بلديتها، الذي احدث جدلاً كبيرا بين الناس تجاوز حدود المدينة حين قام برعاية سياح اسرائيليين زاروا الكرك وقدم لهم درعان غير مبرر سبب تقديمها.

ثم حدث ما حدث من جدال واستهجان وهبة كركية اعتبرت ما جرى سقطة تاريخية، وصدر بيان واضح عن الفعاليات الشعبية يؤكد على وجه المدينة العروبي المقاوم لكل أشكال التطبيع، والكرك تظل لقاحا وحاضرة في ابهى صورها المناضلة، وفي شارعها وجع على القدس كما هو على بغداد ودمشق وصنعاء.

والكرك سيدة الرفض، وسيدة النبل، وسيدة الوفاء، لكنها لا تقلق إن مر على تاريخها من حاول مسها، فهي مثل الورقة البيضاء الناصعة، التي لا يضيرها ما قد يخبرش العابرون في تاريخها على حواشيها السفلية.

في وجوه الناس هناك عتب على ما جرى، لكنهم يقدرون ويكيفون العتب على قدر الأشخاص، وهم أيضا اهل السماحة والتجاوز عن الأخطاء ليتفرغوا لنهارهم السياسي المثقل بهموم الوطن واوجاع العروبة.

ليس الحديث في الكرك أقل نخبوية عن أي ملتقى سياسي أو منتدى في أفضل عاصمة، او أكاديمية، لكنه هناك يكتسب شكلاً وطعماً آخر؛ لانك تحس بأن السياسة جزء من قوت الناس وان المعاني التي يضهرونها او يخفونها عميقة جدا،ً وغنية بالتحليل والتوظيف السياسي.

الكلام كان مع جماعة من الشباب عن الحشد الامريكي في الخليج، وضرب إيران أم لا، والموقف الروسي، والوضع في إدلب، والصمت الأوروبي، وهل تريد أمريكا اعادة ايران للملف النووي وفق شروطها، والحرب في اليمن ومستقبل السودان والجزائر وكيف تؤثر هذه الثورات على عودة الربيع العربي أم لا وبنسخة أخرى.

هذا الحديث مع شباب من الكرك، ليس فقط هو حصرا في تعديل الحكومة او أخطاء عمدتها، بل هناك مساحة كبيرة للعروبة وكذلك للعالم وصراعاته وللوعي الحاد في تأويل المجريات والحوادث.

الدستور