لم يرقْ التعديل الوزاري الثالث على حكومة عمر الرزاز للكثيرين، وثمة انطباع عام بأنه سحب من رصيد الحكومة التي عملت جاهدة لرفده في الأشهر الأخيرة.
التعديلان الأول والثاني على الحكومة قوبلا بردود الفعل ذاتها تقريبا. وبالعودة إلى الماضي يمكن القول؛ إن كل تعديل وزاري شهدته الحكومات السابقة يقابل بذات المشاعر المخيبة والساخطة، وبنفس الأسئلة التي تحاصر كل تعديل؛ لماذا خرج فلان ودخل علان؟ وما هي مبررات التعديل في الوقت الراهن؟ وغيرها من الأسئلة المتوارثة تعديلا بعد تعديل.
لكن المفارقة أن التعديل يبدأ مطلبا ملحّا من طرف النخب وبعض الأوساط الشعبية، قبل أن يكون هدفا لرئيس الحكومة. وهذا ما حصل في التعديل الأخير، فقد ترددت الدعوة للتعديل على ألسنة المحللين، والكتاب والسياسيين، حتى أصبح مطلبا عاما، وما أن يجاري الرئيس التيار العام ويقدم على خطوة التعديل سواء كان مقتنعا أم لا حتى تنهال عليه الانتقادات من الجميع.
موقف الرأي العام، أي الجمهور من غير المشتغلين بالسياسة، ثابت في معظم الأحول على سلبيته حيال كل أشكال التعديل والتشكيل، لا بل والتكليف. لكن النخب السياسية عادة ما تحركها دوافع شخصية أو اعتبارات سياسية مسبقة. فمن خسر الرهان على دخول التعديل ينتقده ومن يعارض الحكومة لأسباب سياسية سيتخذ موقف المعارض من التعديل مثلما اتخذ نفس الموقف من التكليف والتشكيل.
في تجارب الحكومات السابقة ما يؤكد أن التعديل الوزاري لم يسهم إلا في حالات قليلة بتحسين شعبية الحكومة وثقة الجمهور فيها. وقد تكون هناك أسباب أخرى طارئة تزامنت مع التعديل ويعود لها الفضل في تقوية موقف الحكومة وليس التعديل بحد ذاته.
وما يقال من انتقادات بحق الوزراء الجدد في الحكومة التي تخضع للتعديل يمكن أن يقال بحق غيرهم لو اختلفت التشكيلة. آلية تشكيل الحكومات في الأردن لا تعطي المجال للحكم على البرامج، فلا يجد الناس غير الأشخاص ليقرروا بشأنهم، وفي هذا المجال لن تجد من يقول كلمة طيبة بحق الوزير الجديد غير دائرة الأقارب والأصدقاء، وسواهم لا شأن لهم ما دام الوزير ليس من عشيرتهم أو منطقتهم الجغرافية. هكذا تسري الأمور في بلادنا.
حاولت الحكومة تبرير التعديل الوزاري مثلما فعلت حكومات سابقة، لكن التبرير لا يحمل معنى قيما إلا لرئيس الوزراء الذي يستطيع بحكم موقعه أن يقيم أداء الوزراء وفق معاييره الخاصة. أما الجمهور العريض من المواطنين، فلا يملك من المعلومات الدقيقة ما يكفي للحكم على أداء الوزراء، هذا إذا استثنينا الانطباعات العامة، والتقييمات الفردية التي لا تستند لمعايير أداء علمية.
لا يوجد في الأردن حكومات برامج، هذه كذبة كبرى، هناك فقط حكومات مهام تقتضيها المرحلة؛ مهام تطيب للجمهور أحيانا، ومهام صعبة يتذمر منها البشر، لكن لا مجال للتردد في تنفيذها. ولهذا السبب تجد تشكيلة الحكومات خليطا عجيبا من أصحاب الاتجاهات المختلفة والمتنافرة أحيانا، وهو ما انتهت إليه تشكيلة حكومة الرزاز بحلتها الجديدة؛ ثوب مزركش يجمع أطيافا من كل الألوان.
التعديل الوزاري مطب، يضر بالحكومات ولا ينفعها، ويتحول لمناسبة للطخ عليها بعد مرحلة هدوء. الأفضل أن يواصل الرئيس مشواره بنفس الفريق، ويسعى لتصويب أداء الوزراء بدل تغييرهم، فذلك أقل كلفة عليه وعلى حكومته.
صحيفة الغد