إذا كانت هناك مهمة أولى أمام الحكومة الحالية، فهي وقف عملية إغلاق الوظائف الموجودة أصلا، وبمعنى أدق، عدم التسبب بمزيد من الأزمات الاقتصادية في المؤسسات القائمة، بما يؤدي إلى فصل الموظفين أو طردهم أو تعطلهم.
هذه هي المهمة الأولى، قبل أن تكون مهمة الحكومة فتح وظائف جديدة، والواضح أن الحكومة لا تنجح في المهمتين، بسبب السياسات الاقتصادية السيئة التي ترهق القطاع الخاص، وتنهكه بالضرائب والرسوم، وسط حالة من الركود والانجماد.
إليكم هذا الرقم الرسمي الذي ورد على لسان الأستاذ موسى الصبيحي مدير المركز الإعلامي والناطق الرسمي باسم المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي الذي أشار إلى أن مؤسسة الضمان الاجتماعي دفعت أربعة وعشرين مليون دينار، كبدلات تعطل خلال العام الماضي، فقط، لعشرين ألف مؤمن أو مستفيد، وأن الضمان الاجتماعي دفع أيضا سبعين مليون دينار كبدلات تعطل منذ 2011 حتى الشهر الحالي، استفاد منها اثنان وثمانون ألف مؤمن أو مستفيد.
دلالات الأرقام هنا، مرعبة، لأننا أمام أمرين، أولهما توسع ظاهرة بدلات التعطل، برغم أنها قانونية ومقرة بشكل رسمي، وليس أدل على ذلك من رقم عام 2018 الذي يصل فيه عدد المستفيدين من بدلات التعطل إلى عشرين ألف شخص، وهو رقم مذهل بحق، فيما ثانيهما يرتبط بكون سياسات الجباية الحكومية التي تؤدي إلى إرهاق القطاع الخاص، وإنهاكه ترتد مباشرة على ما هو أهم من الخزينة، أي الضمان الاجتماعي، الذي يتم تحميله أعباء ليست سهلة، ولا يمكن افتراض أنها مجرد أعباء عادية، ويقودنا الخيال هنا، إلى التساؤلات حول أرقام بدلات التعطل التي قد نراها حول العام الجاري، وذلك نهاية العام 2019، إذا استمر الوضع هكذا.
كل هذه الأرقام مرتبطة بالمسجلين بالضمان الاجتماعي، الذين يحق لهم الحصول على بدلات التعطل، فما بالنا ببقية الأرقام للذين يعملون دون أن يسجلوا أنفسهم في الضمان الاجتماعي، ويخسرون أعمالهم، أو يفقدونها جزئيا، أو يتم خفض رواتبهم، أو يتم التعسف وطردهم، أو يعانون بسبب معاناة رب العمل وخسائره المالية.
هذا الكلام هنا، لا يراد له أن يصبح سببا في التحريض على مبدأ بدلات التعطل تحت ذريعة توسع الظاهرة، لأن هناك من يريد أن يعيد صياغة كل امتيازات الضمان سواء بدلات التعطل، أو التقاعد المبكر، وغير ذلك، وإذا كانت هذه الأرقام مفيدة فهي من أجل أن تقف الحكومة عند حقيقة الوضع الاقتصادي، وكيف نتورط جميعا فيما هو أخطر، أي نقل مشكلة الخزينة المالية، إلى الضمان الاجتماعي، عبر مواصلة الضغط على المؤسسات والقطاع الخاص، الذي سيرد بمزيد من إغلاقات المؤسسات والوظائف، والذي سوف يرتد لاحقا بمزيد من بدلات التعطل أو التقاعد المبكر.
بهذا المعنى يتم تأسيس أزمة أكبر في مؤسسة مهمة جدا، هي الضمان الاجتماعي، عبر نقل المشكلات الفردية والعامة إليها، وإذا كانت الدعوات تصب دوما لمصلحة حماية الضمان الاجتماعي، كون مال الضمان، هو مال الناس مباشرة، فإن أولى وسائل معالجة هذا الظرف، مراجعة الحكومة مجددا لسياساتها الاقتصادية، وإلا سنجد أنفسنا بعد عام أو عامين، وإذ عشرات الآلاف يحصلون على بدلات التعطل، ومعهم عشرات الآلاف يطلبون التقاعد المبكر، وتكون الحكومة قد ألقت بثقلها على الضمان.
نحن لا نريد وضع العصي في دواليب الحكومة، إذ يكفيها ما فيها، لكننا نؤشر بشكل واضح، على أن الأزمة الاقتصادية، تشتد يوما بعد يوم، وكل ما نراه هو سياسات اقتصادية لا تشجع أساسا على فتح المزيد من الوظائف، بمعنى أن مشكلة البطالة تشتد وتترك آثارها الاقتصادية والاجتماعية، بل إن هذه السياسات تؤدي إلى خسارة الذين يعملون لوظائفهم، ثم نقل كل هذه الأزمات الى الشارع، عبر الاحتقانات أو الجرائم، أو البيوت عبر التفكك الأسري والطلاق، أو إلى مؤسسات بديلة مثل الضمان الاجتماعي، التي ستواجه ما لا تتوقع أن تواجهه إذا فكرت بتغيير حقوق الناس في الضمان، أو العبث بامتيازاتهم، أو نقض ما يمكن اعتباره العقود القائمة أصلا، بين المؤسسة والمستفيدين، وفقا لتاريخ انضمامهم، ووفقا للقانون القائم أو تعديلاته.
قبل أن تفتح لنا الحكومة، فرص عمل جديدة، وجهدها مشكور مسبقا، نريد منها التنبه إلى الوظائف التي يتم إغلاقها، والمؤسسات التي تتراجع أو يتم إغلاقها أيضا.
صحيفة الغد