احد ابناء غزة الذين التقتهم احدى الفضائيات طالب فتح وحماس بالرحيل اذا كانا سيستمران في عمليات الاقتتال.فلسطيني اخر جسد قناعات جزء من الشعب الفلسطيني بقوله "انهم يتقاتلون على الكراسي". لعل المتابع لمراحل الاقتتال والعنف والدم الفلسطيني الذي سال على ارض غزة بأيدي المقاتلين الاشداء (!) لا يجد تفسيرا الا ما قاله هذا المواطن؛ فالقتال ليس على فكرة المقاومة، ولا هم يتسابقون على من يوقع خسائر أكبر في صفوف الاحتلال بل نزاع على وزارة الداخلية واجهزة الشرطة والمخابرات، وكان الخلاف قبل ذلك على الحكومة وتم اقتسامها بموجب اتفاق مكة، وفي المحصلة نحن امام حالة غير وطنية، وواقع لا يليق بفصائل تواجه احتلال، ففتح وحماس على حد سواء تمارسان ترفا عبر الاقتتال الداخلي، لان من يعيش تحت الاحتلال والجوع والحصار ويسعى للتحرير لا يجد وقتا لهذا العبث.
من الواضح ان السلطة لا تعاني من مشكلة مالية! فمقاتلو فتح والاجهزة التابعة لها، ومقاتلو حماس والاجهزة التابعة لها يملكون اسلحة كثيرة وجديدة وقدرة على دفع الكلفة التشغيلية لآلاف المقاتلين والعتاد والسيارات، والاهم انهم يملكون الوقت للقتل واقتحام البيوت والجامعات.
وثبت ايضا ان مقاتلي ميليشيات فتح وحماس اشداء. لم يلاحظ الناس هذا ضد اسرائيل لان المقاومة متوقفة منذ اكثر من عامين، لكن هذه الميليشيات استطاعت في يوم واحد، وهو الثلاثاء، في ذكرى النكبة، ان توقع (16) قتيلا، ولو كان الصدق متوفرا والعمل فيه لله او لفلسطين لكان يوم النكبة يوم مقاومة ولكان القتل من الصهاينة.
فتح خلال مسيرتها دفعت الكثير من صورتها، وحماس كانت تملك موقعا كبيرا لدى الفلسطينيين والعرب والمسلمين، لكنها ومنذ ان دخلت العملية السياسية استطاعت بفضل قيادتها السياسية ان تخسر الكثير من صورتها ومكانتها، وبدلا من ان يكون مقاتل حماس صاحب صورة ايجابية ونموذجا للشاب العربي والمسلم تحول الى مشروع قاتل او مقتول في صراع مع فلسطيني اخر، واذا سلمنا بنظرية المؤامرة فان حماس تم استدراجها الى هذا المستنقع، فدفعت اثمانا باهظة ابتداء من وقف المقاومة الى القبول ببرنامج سياسي يقوم على الاعتراف بالمبادرة العربية واحترام اتفاق اوسلو، واخيرا دخلت في دوامة الاقتتال الداخلي.
المتحمسون لفتح سيقولون ان حماس هي المعتدي، وحماس تقول ان فتح هي المعتدية، لكن بالمنطق الوطني فان حماس وفتح معتديتان على فلسطين وشعبها، واستطاعتا باقتدار هدر التعاطف، وتحولت صورة المجاهد الى صورة عضو ميليشيا وهذا هو الثمن لكل هذا، وحتى التبرع المالي فمن سيدفع لبندقية لم تعد توجه للاحتلال، واي مكانة او احترام لفصائل تتسابق لاعطاء اسرائيل هدنة مجانية، بينما نشاهد كل فنون القتال واسلحة ثقيلة من قذائف هاون واسلحة حديثة تحول غزة الى مدينة اشباح.
المشاهد التي تبثها الفضائيات لرئيس الوزراء، اسماعيل هنية، تظهر كم هو بائس حزين، ومن الواضح انه لا يملك سلطة لا على الحكومة ولا حتى على ميليشيات حركته التي يمثلها، لانه لو كان صاحب صلاحية فان مصلحته ان تكون غزة هادئة وخالية من الفلتان، لكن يبدو انه مسؤول شكلي، لان ما يجري يفشل تجربته ويعرضه للنقد من الناس، لهذا فهو يجلس على رأس طاولة اجتماعات بينما القرار في اشعال غزة او اطفائها ليس بيده. فهذا الرجل يستحق التعاطف، وان كان هذا لا يعفيه من مسؤولياته التي اقلها قول الحق وممارسة السلطة.
اي انجاز تريده اسرائيل وقد توقفت المقاومة ضدها إلا من صواريخ تأتي لرفع العتب! والاهم ان حملة البنادق يقتلون بعضهم بعضا، وهي تريد ان تقول للعالم ها هم الفلسطينيون لا يستطيعون ادارة غزة، ولا يستطيعون التفاهم معا، فهل يستحقون دولة واستقلالا، هذا ما تريده دولة الاحتلال، وهذه الخدمة المجانية تقدمها فتح وحماس بغض النظر عن النوايا، فحسن النية لا يبرر سوء العمل.
رحم الله اياما كان المشهد الفلسطيني في الاعلام اخبار شهداء وجهاد ومقاومة، وكان الشهداء رموزا وكلمات اغنيات.
فما اسوأها من قيادات بعثرت الاولويات وعصفت بالمضمون، فأصبح الناس ينظرون باشمئزاز للمقاتل الفلسطيني، وهو يقتل اخاه، ولا يسألون ان كان فتحاويا او حمساويا، فالقتل لا هوية له.
sameeh.almaitah@alghad.jo