الإخوان : احتواء أم استقواء؟
حلمي الأسمر
27-09-2009 05:12 AM
في الوقت الذي احتفلت فيه حركة الإخوان المسلمين (كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة) بالمئوية الأولى لانطلاقتها ، دخلت الحركة الإسلامية العربية في حقبة جديدة ، تختلط فيها فرضية الاحتواء "الإرادي" -إن جاز التعبير - مع فرضية الاستقواء بالدعوة الأمريكية لدمقرطة المجتمعات العربية،
أسس الجماعة عام 1928 الشيخ حسن البنا في مصر كدعوة اسلامية وهى تنتشر الآن في 72 دولة تضم كل الدول العربية و دولا إسلامية وغير إسلامية في القارات الست.
وثمة من يعتقد ان الإسلاميين الذين يصنفون في دائرة الاعتدال ، وهم الأخوان تحديدا ومن تفرع عنهم بأسماء ولافتات تنظيمية مختلفة ، دخلوا طوعا وعن سابق تصميم خيار "الاحتواء الواعي" عبر انخراطهم في العمل السياسي المعلن ، من خلال مشاركتهم الفاعلة في البنى السياسية القانونية القائمة ، ومثال ذلك: الاخوان المسلمون في كل من مصر والأردن وفلسطين ، فيما يعتقد آخرون أن هؤلاء استثمروا "موضة" الاصلاح السائدة في المنطقة العربية ، فركبوا موجة "الديمقراطية" واستقووا بالخطاب الأمريكي ، فزاحموا القوى التقليدية الأخرى (اليسار والقوميون) ووضعوا ثقلهم في صناديق الاقتراع ، وهم يدركون أنهم سيجدون أنفسهم في مواجهة استحاقاقات لم تكن في حسبانهم فيما مضى،.
لقد شهدنا في الفترة الأخيرة دخول مفردة جديدة في الخطاب الاسلامي المعاصر ، هي مفردة المشاركة في الحكم ، بعد أن أدمنت الحركات الاسلامية المعتدلة لعب دور المعارضة لفترة طويلة ، بل إن حركة حماس (جناح الإخوان في فلسطين) ذهبت إلى أبعد من ذلك حين شاركت في تشكيل حكومة ضمن مناخ فريد ، لم يكن يخطر على بال أحد: سقف أوسلو ، وتحت هيمنة سلطة احتلال (يهودي) كاملة ، قالبة بذلك كل ما عرف عن الإسلاميين من تحفظ حيال التعاطي مع السلطات الرسمية العربية ، فما بالك مع سلطة احتلال إسرائيلي؟، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، فانفردت بالحكم في قطاع غزة ، ضمن سياقات معروفة للجميع.
وهنا سؤال يدور في أكثر من محفل وساحة: هل صدق حدس بعض من كان يتهم الإسلاميين بأنهم كانوا على الدوام حلفاء "للامبريالية ،"التي كان يمثلها الانجليز فيما مضى ، ثم ورثها الأمريكان فيما بعد؟ هل خرج التحالف السري المفترض (،) بين الغرب والإخوان تحديدا من السر إلى العلن ، فغدا الحديث عن حوار أمريكي إخواني ضربا من المرونة السياسية ، بعد أن كان "خيانة" عظمى؟.
المتأمل في تاريخ الحركة الإسلامية يجد دون عناء أنها لم تطرح نفسها بديلا للسلطات القائمة ، فهي لا تحمل فكرا إنقلابيا ، بل تؤمن بالتغيير التدريجي عبر البنى القائمة ، بل إن بعض المؤرخين الإسلاميين يذهبون إلى القول إلى أن حسن البنا نفسه "تعاطى" تحت ضغط الواقع مع سلطة الاحتلال الانجليزي في مصر ، في بدايات انطلاقة حركته ، كما تعامل بصورة أكثر حرارة مع النظام الملكي ، وكان يتواصل معه في المناسبات التي تخص الملك شخصيا ، كعيد ميلاده مثلا ، ويؤكد المؤّرخ الإخواني الأستاذ محمود عبد الحليم أن "حسن البنا كان يرى أن أقصر طريق لتحقيق أهداف الدعوة إنما يكون بالاتصال بالملك الشاب فاروق وإقناعه بأهداف الدعوة. وفي هذا السياق عقد الشيخ البنا على وجه السرعة المؤتمر الرابع للجماعة معلنا وبصراحة تامة أن هدف المؤتمر الوحيد هو الاحتفال باعتلاء فاروق العرش ، إن كل هذا يعني أن الحركة الإسلامية لم تنقلب على نفسها ، حين قررت الدخول في "شراكة" مع النظم القائمة ، وما يقال هنا عن فرضية الاحتواء ، لا يصمد كثيرا أمام تاريخ طويل من التعامل المكثف مع الأنظمة ، أما ما يتعلق بفرضية الاستقواء ، فالناظر إلى سعي الاسلاميين إلى الحصول على "ترخيص" رسمي بالعمل العلني في مصر مثلا ، وفي غيرها من الساحات ، يؤكد أنهم اجتهدوا ولم يزالوا ، في تسجيل حضور قانوني معترف به ، ولم يتوانوا لحظة عن بذل كل جهد مستطاع ، لتحقيق هذا الهدف ، فهم تنظيم جماهيري علني ، ولا يؤمنون بالعمل "تحت الأرضي" ويبدو أن سعيهم الدؤوب في هذا السياق توافق مع موجة الدعوة الأمريكية لدمقرطة المنطقة والإصلاح ، فاستطاعوا أن ينفذوا في ظل هذا المناخ إلى تسجيل نجاحات ملموسة عبر صناديق الاقتراع ، وهذا كان شأن قوى واتجاهات أخرى خاضت الانتخابات ونافستهم بقوة ، إلا أنها لم تصب ما أصابوا من نجاح ، وما يقال عن استقواء إسلامي بالنفس الأمريكي ، يمكن أن يقال عن استقواءات أخرى لقوى وأحزاب واتجاهات غير إسلامية،.
hilmias@gmail.com