بالرغم من أنني لست ناشطا انستجراميا إلا أنني واحد ممن يتابعون ما يجري تداوله عبر الفضاء الالكتروني تارة للفائدة وأخرى للدراسة وفي أوقات كثيرة للفضول والتعرف على المزاج العام لمجتمع أصبح يعتمد كثيرا على الاجهزة السلكية واللاسلكية في القول والتعبير والتواصل.
منذ ايام عرضت إحدى الناشطات المرموقات على حسابها الانستجرامي صورا و تفاصيل لأرجيلة تتغير ألوانها بشكل مثير عند إشعالها حيث يخيم دخانها على المكان وينبعث من تمديداتها بسلاسة توحي بسهولة الاشتعال ومتعة التدخين. في مقام آخر نشرت نجمة معروفة على حسابها تصويرا حيا لرفيقتها وهي تستكمل مكياجها اثناء القيادة لسيارتها على طريق عام وسط ضحكات وإعجاب صديقاتها ودون أدنى اكتراث لقواعد السلامة العامة أو شروط استخدام الطريق. هذه القصص وغيرها نماذج من الرسائل التي يبثها الناشطون في مسعى لتحقيق مزيد من المشاهدة واستدراج المتابعين.
في تفصيلات المشهد الأول والثاني شيء من الإثارة والتسلية للمتابع لكن هناك تجاهلا لخطورة هذه العروض على فئات المتلقين فنجوم الاعلام موضع تقدير وإعجاب وتقليد والبعض يرى في المشاهد المصورة نماذج للسلوك الذي يعجب النجوم ويسترعي اهتمامهم الأمر الذي قد يؤدي بالمتابع إلى تقليد هذه السلوكيات وتبنيها.
في الأردن وكما في بقية أرجاء العالم لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي ترفا يمارسه الأغنياء والمتعطلون فقد أصبحت قوة لها تأثير يصعب تجاهله أو إهماله. انستغرام وفيسبوك وتويتر وسناب شات أكثر انتشارا واستعمالا من الوسائل التقليدية، فهي الأسرع والأقوى وربما الأقرب لمصادر المعلومات والأكثر تأثيرا على المتلقي.
الكثير من الناشطين يجدون قي الوسائل الجديدة منابر سهلة للتواصل والتعبير..في حالات كثيرة أحسن الناشطون استخدام هذه الوسائل فقربتهم من الجماهير وألغت المسافات وحررت القيود والمحددات التي فرضها الإعلام ووسائطه التقليدية على ما قد يقال أو لا يقال.
خلال السنوات الأخيرة استطاع دونالد ترامب وبمهارة فائقة أن يوصل آراءه وسياساته للعالم قبل أن تعرف بها المؤسسات العاملة والأجهزة الرسمية المختصة الأمر الذي أربك إدارته وجعله يتجاوز وكالات الأنباء وجيوش المندوبين وشبكات الأخبار الأمر الذي أربك مستشاريه ومكنه من أن يقول ما يريد دون إخضاع رسائله للفلترة والتحرير التي طالما تضعها في لغة وسياق ينزع بعض مقاصدها.
في بلادنا يحاول بعض ممن اشتغلوا بالسياسة وعبروا الخط السريع فيها الإسراف في استخدام وسائل التواصل للحديث عن إنجازات وهمية وقيم إنسانية لا يرى الناس صلة لهم بها وأفكار لا يستطيع المتابع إيجاد رابط بينها وبين الأشخاص لغرابة التشبيهات والبعد عن الهم العام. في مثل هذه الحالات يسهم استخدام الوسائل في إيذاء صورة الناشط وكشف ضحالة تفكيره وقلة نضجه وافتقاره إلى الثقافة الضرورية لإيصال المشاعر وبناء الثقة.
في الرياضة والسينما والإعلام وحتى السياسة يوجد نجوم يحرصون على التواصل مع الجمهور وبث الكثير من الرسائل التي يعتقدون أنها مثيرة وجاذبة. الصغار والكبار والنساء والرجال من عشاق الرياضة يعرفون اهتمامات رونالدو ويتابعون تفاصيل النشاط اليومي لميسي وآخر الاستعدادات التي قام كل منهما بها للمباريات القادمة.
التواصل الدائم يكرس التوحد مع شخصية النجم والأحذية و يدفع به لاقتناء القمصان والأحذية التي تحمل أسماء هؤلاء النجوم و يمتد الاهتمام ليصل إلى معرفة الشركات التي تنتج ما يحمل اسم كل منهما والعائدات المالية التي تتحقق ونصيب اللاعب والحقوق التي تتولد له من هذا الإنتاج.
في ميدان الإعلام يبث الناشطون من النجوم ومضات من برامجهم اليومية وزياراتهم والطرائف التي تحصل في محيطهم ليتلقفها الجمهور ويشاركها ويتابعها باعتبارها أجزاء من المحتوى العام لثقافتنا اليومية المعاشة.
التواصل الاجتماعي غني وجاذب يقدم الكثير من المعرفة والتسلية والإثارة ويحد من المسافات لكنه قد يصبح أداة للترويج لممارسات وعادات يسعى المجتمع إلى وأدها والتخلص من الضرر الذي قد يتحقق من ممارستها. التدخين والقيادة المتهورة سلوك يقوم به البعض لكن الأول يتم في أماكن محددة والثاني في ميادين الرياضات والمهارات الاستثنائية للأبطال الذين يريدون استعراضها في السينما.
صحيفة الغد